المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٤٦
وقوله : إِلَّا أَسْماءً ذهب بعض المتكلمين إلى أنه أوقع في هذه الآية الأسماء على المسميات وعبر عنها بها إذ هي ذوات أسماء.
قال القاضي أبو محمد : والاسم الذي هو ألف وسين وميم - قد يجري في اللغة مجرى النفس والذات والعين، فإن حملت الآية على ذلك صح المعنى، وليس الاسم - على هذا - بمنزلة التسمية التي هي رجل وحجر، وإن أريد بهذه الأسماء التي في الآية أسماء الأصنام التي هي بمنزلة اللات والعزى ونحو ذلك من تسميتها آلهة، فيحتمل أن يريد : إلا ذوات أسماء، وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ويحتمل - وهو الراجح المختار إن شاء اللّه - أن يريد : ما تعبدون من دونه ألوهية ولا لكم تعلق بإله إلا بحسب أن سميتم أصنامكم آلهة، فليست عبادتكم لإله إلا باسم فقط لا بالحقيقة، وأما الحقيقة فهي وسائر الحجارة والخشب سواء، فإنما تعلقت عبادتكم بحسب الاسم الذي وضعتم، فذلك هو معبودكم إذا حصل أمركم فعبر عن هذا المعنى باللفظ المسرود في الآية، ومن هذه الآية وهم من قال - في قولنا : رجل وحجر - إن الاسم هو المسمى في كل حال، وقد بانت هذه المسألة في صدر التعليق.
ومفعول «سميتم» الثاني محذوف، تقديره : آلهة، هذا على أن «الأسماء» يراد بها ذوات الأصنام، وأما على المعنى المختار - من أن عبادتهم إنما هي لمعان تعطيها الأسماء وليست موجودة في الأصنام - فقوله سَمَّيْتُمُوها بمنزلة وضعتموها، فالضمير للتسميات، ووكد الضمير ليعطف عليه.
وال سُلْطانٍ الحجة، وقوله : إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي ليس لأصنامكم التي سميتموها آلهة من الحكم والأقدار والأرزاق شيء، أي فما بالها إذن؟ ويحتمل أن يريد الرد على حكمهم في نصبهم آلهة دون اللّه تعالى وليس لهم تعدي أمر اللّه في أن لا يعبد غيره، والْقَيِّمُ معناه : المستقيم. وأَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لجهالتهم وغلبة الكفر.
ثم نادى يا صاحِبَيِ السِّجْنِ ثانية لتجتمع أنفسهما لسماع الجواب، فروي أنه قال لنبو : أما أنت فتعود إلى مرتبتك وسقاية ربك، وقال لمجلث : أما أنت فتصلب، وذلك كله بعد ثلاث، فروي أنهما قالا له : ما رأينا شيئا وإنما تحالمنا لنجربك وروي أنه لم يقل ذلك إلا الذي حدثه بالصلب وقيل : كانا رأيا ثم أنكرا.
وقرأت فرقة :«يسقي ربه» من سقى، وقرأت فرقة من أسقى، وهما لمعنى واحد لغتان وقرأ عكرمة والجحدري :«فيسقى ربه خمرا» بضم الياء وفتح القاف أي ما يرويه.
وأخبرهما يوسف عليه السلام عن غيب علمه من قبل اللّه تعالى : إن الأمر قد قضي ووافق القدر.
وقوله : وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ الآية. «الظن» هاهنا - بمعنى اليقين، لأن ما تقدم من قوله :
قُضِيَ الْأَمْرُ يلزم ذلك، وهو يقين فيما لم يخرج بعد إلى الوجود : وقال قتادة :«الظن» - هنا - على بابه لأن عبارة الرؤيا ظن.
قال القاضي أبو محمد : وقول يوسف عليه السلام : قُضِيَ الْأَمْرُ دال على وحي ولا يترتب قول