المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٥٠
غلبتها وكيف وسعت السمان في بطون العجاف، وكان يرى سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وقد التفت بها سبع يابسات، حتى كانت تغطي خضرتها فعجب أيضا لذلك.
وقوله : لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ أي تأويل هذه الرؤيا، فيزول هم الملك لذلك وهم الناس. وقيل :
لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ مكانتك من العلم وكنه فضلك فيكون ذلك سببا لتخلصك.
وقوله تعالى : قالَ تَزْرَعُونَ الآية، تضمن هذا الكلام من يوسف عليه السلام ثلاثة أنواع من القول :
أحدها : تعبير بالمعنى لا باللفظ.
والثاني : عرض رأي وأمر به، وهو قوله : فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ.
والثالث : الإعلام بالغيب في أمر العام الثامن، قاله قتادة.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل هذا ألا يكون غيبا، بل علم العبارة، أعطى انقطاع الجدب بعد سبع، ومعلوم أنه لا يقطعه إلا خصب شاف، كما أعطى أن النهر مثال للزمان. إذ هو أشبه شيء به فجاءت البقرات مثالا للسنين.
ودَأَباً معناه : ملازمة لعادتكم في الزراعة، ومنه قول امرئ القيس :[الطويل ] كدأبك من أم الحويرث قبلها.. البيت وقرأ جمهور السبعة «دأبا» بإسكان الهمزة، وقرأ عاصم وحده «دأبا» بفتح الهمزة، وأبو عمرو يسهل الهمزة عند درج القراءة، وهما مثل : نهر ونهر. والناصب لقوله : دَأَباً تَزْرَعُونَ، عند أبي العباس المبرد، إذ في قوله تَزْرَعُونَ تدأبون، وهي عنده مثل قولهم : قعد القرفصاء، واشتمل الصماء وسيبويه يرى نصب هذا كله بفعل مضمر من لفظ المصدر يدل عليه هذا الظاهر، كأنه قال : تزرعون تدأبون دأبا.
وقوله فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ هي إشارة برأي نبيل نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل، فإن الحبة إذا بقيت في خبائها انحفظت والمعنى : اتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل، فيجتمع الطعام هكذا ويتركب، ويؤكل الأقدم فالأقدم فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الناس الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر، وادخروا أيضا الشيء الذي يصاب في أعوام الجدب على قلته، وحملت الأعوام بعضها على بعض حتى يتخلص الناس، وإلى هذه السنين أشار النبي عليه السلام في دعائه على قريش :«اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف»، فابتدأ ذلك بهم ونزلت سنة حصت كل شيء حتى دعا لهم النبي عليه السلام فارتفع ذلك عنهم ولم يتماد سبع سنين، وروي أن يوسف عليه السلام لما خرج ووصف هذا الترتيب للملك وأعجبه أمره، قال له الملك : قد أسندت إليك تولي هذا الأمر في الأطعمة هذه السنين المقبلة، فكان هذا أول ما ولي يوسف.
وأسند الأكل في قوله : يَأْكُلْنَ إلى السنين اتساعا من حيث يؤكل فيها كما قال تعالى : وَالنَّهارَ مُبْصِراً [النمل : ٨٦، يونس : ٦٧، غافر : ٦١] وكما قال : نهارك بطال وليلك قائم وهذا كثير في كلام