المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٥٣
[سورة يوسف (١٢) : آية ٥١]
قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١)
المعنى : فجمع الملك النسوة وامرأة العزيز معهن، وقال لهن : ما خَطْبُكُنَّ... الآية، أي : أي شيء كانت قصتكن؟ فهو استدعاء منه أن يعلمنه القصة فجاوب النساء بجواب جيد، تظهر منه براءة أنفسهن جملة وأعطين يوسف بعض براءة، وذلك أن الملك لما قرر لهن أنهن راودنه قلن - جوابا عن ذلك - حاشَ لِلَّهِ وقد يحتمل - على بعد - أن يكون قولهن حاشَ لِلَّهِ في جهة يوسف عليه السلام، وقولهن : ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ليس بإبراء تام، وإنما كان الإبراء التام وصف القصة على وجهها حتى يتقرر الخطأ في إحدى الجهتين، ولو قلن : ما علمن عليه إلا خيرا لكان أدخل في التبرية. وقد بوب البخاري على هذه الألفاظ على أنها تزكية، وأدخل قول أسامة بن زيد في حديث الإفك : أهلك ولا نعلم إلا خيرا.
قال القاضي أبو محمد : وأما مالك رحمه اللّه فلا يقنع بهذا في تزكية الشاهد، لأنه ليس بإثبات العدالة.
قال بعض المفسرين فلما سمعت زوجة العزيز مقالتهن وحيدتهن عن الوقوع في الخزي حضرتها نية وتحقيق، فقالت : الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ. وحَصْحَصَ معناه : تبين بعد خفائه، كذا قال الخليل وغيره وقيل : هو مأخوذ من الحصة، أي بانت حصته من حصة الباطل. ثم أقرت على نفسها بالمراودة والتزمت الذنب وأبرأت يوسف البراءة التامة.
قوله عز وجل :
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]
ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)
قالت جماعة من أهل التأويل : هذه المقالة هي من يوسف عليه السلام، وذلك : لِيَعْلَمَ العزيز سيدي أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ في أهله وهو غائب، وليعلم أيضا أن اللّه تعالى لا يَهْدِي كيد خائن ولا يرشد سعيه.
قال القاضي أبو محمد : والهدى للكيد مستعار، بمعنى لا يكلمه ولا يمضيه على طريق إصابة، ورب كيد مهدي إذا كان من تقي في مصلحة.
واختلفت هذه الجماعة فقال ابن جريج : هذه المقالة من يوسف هي متصلة بقوله للرسول : إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف : ٥٠]، وفي الكلام تقديم وتأخير، فالإشارة بقوله : ذلِكَ - على هذا التأويل - هي إلى بقائه في السجن والتماسه البراءة أي هذا ليعلم سيدي أني لم أخنه.
وقال بعضهم : إنما قال يوسف هذه المقالة حين قالت امرأة العزيز كلامها، إلى قولها : وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف : ٥١] فالإشارة - على هذا - إلى إقرارها، وصنع اللّه تعالى فيه، وهذا يضعف، لأنه


الصفحة التالية
Icon