المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٦١
يحمل الحادي عشر لغيب صاحبه : وقال مجاهد : كَيْلَ بَعِيرٍ أراد كيل حمار. قال : وبعض العرب يقول للحمار بعير.
قال القاضي أبو محمد : وهذا شاذ.
وقولهم : ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ تقرير بغير ألف، أي أذلك كيل يسير في مثل هذا العام فيهمل أمره؟
وقيل : معناه : يَسِيرٌ على يوسف أن يعطيه. وقال الحسن البصري : وقد كان يوسف وعدهم أن يزيدهم حمل بعير بغير ثمن وقال السدي : معنى ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ أي سريع لا نحبس فيه ولا نمطل.
قال القاضي أبو محمد : فكأنهم أنسوه على هذا بقرب الأوبة.
قوله عز وجل :
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٦ الى ٦٧]
قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦) وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)
أراد يعقوب عليه السلام أن يتوثق منهم. و«الموثق» - مفعل - من الوثاقة. فلما عاهدوه أشهد اللّه بينه وبينهم بقوله : اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ و«الوكيل» القيم الحافظ الضامن.
وقرأ ابن كثير «تؤتوني» بياء في الوصل والوقف، وروي عن نافع أنه وصل بياء ووقف دونها. والباقون تركوا الياء في الوجهين.
وقوله : لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ قيل : خشي عليهم العين لكونهم أحد عشر لرجل واحد، وكانوا أهل جمال وبسطة. قال ابن عباس والضحاك وقتادة وغيره : والعين حق، وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر»، وفي تعوذه عليه السلام :«أعوذ بكلمات اللّه التامة من كل شيطان وهامة وكل عين لامة». وقيل : خشي أن يستراب بهم لقول يوسف قبل : أنتم جواسيس ويضعف هذا ظهورهم قبل بمصر. وقيل : طمع بافتراقهم أن يستمعوا أو يتطلعوا خبر يوسف - وهذا ضعيف يرده : وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فإن ذلك لا يتركب على هذا المقصد.
وقوله : إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ لفظ عام لجميع وجوه الغلبة والقسر والمعنى تعمكم الغلبة من جميع الجهات حتى لا تكون لكم حيلة ولا وجه تخلص. وقال مجاهد : المعنى : إلا أن تهلكوا جميعا. وقال قتادة : إلا ألا تطيقوا ذلك.
قال القاضي أبو محمد : وهذا يرجحه لفظ الآية. وانظر أن يعقوب عليه السلام قد توثق في هذه القصة، وأشهد اللّه تعالى، ووصى بنيه، وأخبر بعد ذلك بتوكله، فهذا توكل مع تسبب، وهو توكل جميع المؤمنين إلا من شط في رفض السعي وقنع بماء وبقل البرية ونحوه، فتلك غاية التوكل وعليها بعض الأنبياء