المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٦٤
الملك وفي أطعمته الجميلة التي يحتاج فيها إلى عظيم الأواني. وقال سعيد بن جبير : ال صُواعَ مثل المكوك الفارسي، وكان إناء يوسف الذي يشرب فيه، وكان إلى الطول ما هو، قال : وحدثني ابن عباس أنه كان للعباس مثله يشرب به في الجاهلية.
قال القاضي أبو محمد : وقال ابن جبير - أيضا - «الصواع» : المكوك الفارسي الذي تلتقي طرفاه، كانت تشرب فيه الأعاجم. وروي أنها كانت من فضة - وهذا قول الجمهور - وروي أنها كانت من ذهب قال الزجاج : وقيل : كان من مسك.
قال القاضي أبو محمد : وقد روي هذا بفتح الميم، وقيل : كان يشبه الطاس، وقيل : من نحاس - قاله ابن عباس أيضا - ولعزة الطعام في تلك الأعوام قصر كيلها على ذلك الإناء. وكان هذا الجعل بغير علم من يامين - قاله السدي، وهو الظاهر.
فلما فصلت العير بأوفارها وخرجت من مصر - فيما روي وقالت فرقة بل قبل الخروج من مصر - أمر بهم فحبسوا. وأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ و«مخاطبة العير» تجوز، والمراد أربابها، وإنما المراد : أيتها القافلة أو الرفقة، وقال مجاهد : كانت دوابهم حميرا، ووصفهم بالسرقة من حيث سرق في الظاهر أحدهم، وهذا كما تقول :
بنو فلان قتلوا فلانا، وإنما قتله أحدهم.
فلما سمع إخوة يوسف هذه المقالة أقبلوا عليهم وساءهم أن يرموا بهذه المنقبة، وقالوا : ماذا تَفْقِدُونَ ليقع التفتيش فتظهر براءتهم، ولم يلوذوا بالإنكار من أول، بل سألوا إكمال الدعوى عسى أن يكون فيها ما تبطل به، فلا يحتاج إلى خصام.
وقرأ أبو عبد الرحمن :«تفقدون» بضم التاء، وضعفها أبو حاتم.
قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ : وهو المكيال وهو السقاية رسمه أولا بإحدى جهتيه وآخرا بالثانية.
وقرأ جمهور الناس «صواع» بضم الصاد وبألف، وقرأ أبو حيوة :«صواع» بكسر الصاد وبألف، وقرأ أبو هريرة ومجاهد «صاع الملك» بفتح الصاد دون واو، وقرأ عبد اللّه بن عوف :«صوع» بضم الصاد، وقرأ أبو رجاء «صوع» وهذه لغة في المكيال - قاله أبو الفتح وغيره - وتؤنث هذه الأسماء وتذكر. وقال أبو عبيد :
يؤنث الصاع من حيث سمي سقاية، ويذكر من حيث هو صاع. وقرأ يحيى بن يعمر :«صوغ» بالغين منقوطة - وهذا على أنه الشيء المصوغ للملك على ما روي أنه كان من ذهب أو من فضة، فهو مصدر سمي به، ورويت هذه القراءة عن أبي رجاء. قال أبو حاتم : وقرأ سعيد بن جبير والحسن «صواغ» بضم الصاد وألف وغين معجمة.
وقوله : وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ، أي لمن دل على سارقه وفضحه وجبر الصواع - وهذا جعل - وقوله : وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ حمالة، وذلك أنه لما كان الطعام لا يوجد إلا عند الملك فهم من المؤذن أنه إنما جعل عن غيره، فلخوفه ألا يوثق بهذه الجعالة - إذ هي عن الغير - تحمل هو بذلك. قال مجاهد :
ال زَعِيمٌ هو المؤذن الذي قال : أَيَّتُهَا الْعِيرُ و«الزعيم» : الضامن - في كلام العرب - ويسمى الرئيس زعيما، لأنه يتضمن حوائج الناس.


الصفحة التالية
Icon