المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٦٩
وقولهم : إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، يحتمل أن يريدوا وصفه بما رأوه من إحسانه في جميع أفعاله - معهم ومع غيرهم - ويحتمل أن يريدوا : إنا نرى لك إحسانا علينا في هذه اليد إن أسديتها إلينا - وهذا تأويل ابن إسحاق.
ومَعاذَ نصب على المصدر، ولا يجوز إظهار الفعل معه، والظلم في قوله : لَظالِمُونَ على حقيقته، إذ هو وضع الشيء في غير موضعه، وذكر الطبري أنه روي أن يوسف أيأسهم بلفظه هذا، قال لهم : إذا أتيتم أباكم فاقرأوا عليه السلام، وقولوا له : إن ملك مصر يدعو لك ألا تموت حتى ترى ولدك يوسف، ليعلم أن في أرض مصر صديقين مثله.
وقوله : فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ الآية، يقال : يئس واستيأس بمعنى واحد، كما يقال : سخر واستسخر، ومنه قوله تعالى : يَسْتَسْخِرُونَ
[الصافات : ١٤] وكما يقال : عجب واستعجب، ومنه قول أوس بن حجر :[الطويل ]
ومستعجب مما يرى من أناتنا ولو زبنته الحرب لم يترمرم
ومنه نوك واستنوك - وعلى هذا يجيء قول الشاعر في بعض التأويلات : واستنوكت وللشباب نوك.
وهذه قراءة الجمهور، وقرأ ابن كثير :«استأيسوا» و«لا تأيسوا» و«لا يأيس» و«حتى إذا استأيس الرسل» أصله استأيسوا - استفعلوا - ومن أيس - على قلب الفعل من يئس إلى أيس، وليس هذا كجذب وجبذ بل هذان أصلان والأول قلب، دل على ذلك أن المصدر من يئس وأيس واحد، وهو اليأس، ولجذب وجبذ مصدران.
وقوله : خَلَصُوا نَجِيًّا معناه انفردوا عن غيرهم يناجي بعضهم بعضا، والنجي لفظ يوصف به من له نجوى واحدا أو جماعة أو مؤنثا أو مذكرا، فهو مثل عدو وعدل، وجمعه أنجية، قال لبيد :
وشهدت أنجية الأفاقة عاليا كعبي وأرداف الملوك شهود
وكَبِيرُهُمْ قال مجاهد : هو شمعون لأنه كان كبيرهم رأيا وتدبيرا وعلما - وإن كان روبيل أسنهم - وقال قتادة : هو روبيل لأنه أسنهم، وهذا أظهر ورجحه الطبري. وقال السدي : معنى الآية : وقال كبيرهم في العلم، وذكرهم أخوهم الميثاق في قوله يعقوب لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [يوسف : ٦٦].
وقوله : ما فَرَّطْتُمْ يصح أن تكون ما صلة في الكلام لا موضع لها من الإعراب. ويصح أن تكون في موضع رفع بالابتداء والخبر قوله : فِي يُوسُفَ - كذا قال أبو علي - ولا يجوز أن يكون قوله :
مِنْ قَبْلُ متعلقا ب فَرَّطْتُمْ.
قال القاضي أبو محمد : وإنما تكون - على هذا - مصدرية، التقدير : من قبل تفريطكم في يوسف واقع أو مستقر، وبهذا المقدر يتعلق قوله : مِنْ قَبْلُ. ويصح أن يكون في موضع نصب عطفا، على أن التقدير : وتعلموا تفريطكم أو وتعلموا الذي فرطتم، فيصح - على هذا الوجه - أن يكون بمعنى الذي ويصح أن تكون مصدرية.


الصفحة التالية
Icon