المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٧٨
والتثريب : اللوم والعقوبة وما جرى معهما من سوء معتقد ونحوه، وقد عبر بعض الناس عن التثريب بالتعيير، ومنه قول النبي عليه السلام :«إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثرب»، أي لا يعير، أخرجه الشيخان في الحدود.
ووقف بعض القراءة عَلَيْكُمُ وابتدأ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ووقف أكثرهم : الْيَوْمَ وابتدأ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ على جهة الدعاء - وهو تأويل ابن إسحاق والطبري، وهو الصحيح - والْيَوْمَ ظرف، فعلى هذا فالعامل فيه ما يتعلق به عَلَيْكُمُ تقديره : لا تثريب ثابت أو مستقر عليكم اليوم. وهذا الوقف أرجح في المعنى، لأن الآخر فيه حكم على مغفرة اللّه، اللهم إلا أن يكون ذلك بوحي.
قوله عز وجل :
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٩٣ الى ٩٥]
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥)
حكمه بعد الأمر إلقاء القميص على وجه أبيه بأن أباه يأتي بصيرا ويزول عماه دليل على أن هذا كله بوحي وإعلام من اللّه. قال النقاش : وروي أن هذا القميص كان لإبراهيم كساه اللّه إياه حين خرج من النار وكان من ثياب الجنة. وكان بعد لإسحاق ثم ليعقوب ثم كان دفعه ليوسف فكان عنده في حفاظ من قصب.
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله يحتاج إلى سند، والظاهر أنه قميص يوسف الذي هو منه بمنزلة قميص كل أحد، وهكذا تبين العرابة في أن وجد ريحه من بعد، ولو كان من قمص الجنة لما كان في ذلك غرابة ولوجده كل أحد.
وأما «أهلهم» فروي : أنهم كانوا ثمانين نسمة، وقيل ستة وسبعين نفسا بين رجال ونساء - وفي هذا العدد دخلوا مصر ثم خرج منها أعقابهم مع موسى في ستمائة ألف. وذكر الطبري عن السدي أنه لما كشف أمره لإخوته سألهم عن أبيهم : ما حاله؟ فقالوا : ذهب بصره من البكاء. فحينئذ قال لهم : اذْهَبُوا بِقَمِيصِي الآية.
وقوله تعالى : وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ الآية، معناه : فصلت العير من مصر متوجهة إلى موضع يعقوب، حسبما اختلف فيه، فقيل : كان على مقربة من بيت المقدس، وقيل كان بالجزيرة والأول أصح لأن آثارهم وقبورهم حتى الآن هناك.
وروي أن يعقوب وجد رِيحَ يُوسُفَ وبينه وبين القميص مسيرة ثمانية أيام، قاله ابن عباس، وقال : هاجت ريح فحملت عرفه وروي : أنه كان بينهما ثمانون فرسخا - قاله الحسن - وابن جريج قال :
وقد كان فارقه قبل ذلك سبعا وسبعين سنة.