المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٨
في المدفون اسم الكنز، ومن اللفظة قولهم رجل مكتنز الخلق أي مجتمع، ومنه قول الراجز :[الرجز]
على شديد لحمه كناز بات ينزيني على أوفاز
والتوعد في الكنز إنما وقع على منع الحقوق منه، ولذلك قال كثير من العلماء : الكنز هو المال الذي لا تؤدى زكاته وإن كان على وجه الأرض، وأما المدفون إذا خرجت زكاته فليس بكنز كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «كل ما أديت زكاته فليس بكنز»، وهذه الألفاظ مشهورة عن ابن عمر وروي هذا القول عن عكرمة والشعبي والسدي ومالك وجمهور أهل العلم، وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة وما زاد عليها فهو كنز وإن أديت زكاته. وقال أبو ذر وجماعة معه : ما فضل من مال الرجل عن حاجة نفسه فهو كنز، وهذان القولان يقتضيان أن الذم في حبس المال لا في منع زكاته فقط، ولكن قال عمر بن عبد العزيز : هي منسوخة بقوله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة : ١٠٣] فأتى فرض الزكاة على هذا كله.
قال القاضي أبو محمد : كان مضمن الآية لا تجمعوا مالا فتعذبوا فنسخه التقرير الذي في قوله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ [التوبة : ١٠٣]. والضمير في قوله يُنْفِقُونَها يجوز أن يعود على الأموال والكنوز التي يتضمنها المعنى، ويجوز أن يعود على الذهب والفضة هما أنواع، وقيل عاد على الفضة واكتفي بضمير الواحد عن ضمير الآخر إذا فهمه المعنى وهذا نحو قول الشاعر [قيس بن الخطيم ] :[المنسرح ]
نحن بما عندنا وأنت بما عن دك راض والرأي مختلف
ونحن قول حسان :[الخفيف ]
إنّ شرخ الشباب والشّعر الأس ود ما لم يعاص كان جنونا
وسيبويه يكره هذا في الكلام، وقد شبه كثير من المفسرين هذه الآية بقوله تعالى : وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها [الجمعة : ١١] وهي لا تشبهها، لأن «أو» قد فصلت التجارة عن اللهو وحسنت عود الضمير على أحدهما دون الآخر، والذهب تؤنث وتذكر والتأنيث أشهر، وروي أن أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا قد ذم اللّه كسب الذهب والفضة، فلو علمنا أي المال خير حتى نكسبه، فقال عمر : أنا أسأل لكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك فسأله، فقال «لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة تعين المؤمن على دينه». وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لما نزلت الآية «تبا للذهب تبا للفضة»، فحينئذ أشفق أصحابه وقالوا ما تقدم، والفاء في قوله فَبَشِّرْهُمْ، جواب كما في قوله وَالَّذِينَ من معنى الشرط، وجاءت البشارة مع العذاب لما وقع التصريح بالعذاب وذلك أن البشارة تقيد بالخير والشر فإذا أطلقت لم تحمل إلا على الخير فقط، وقيل بل هي أبدا للخير فمتى قيدت بشر فإنما المعنى أقم لهم مقام البشارة عذابا أليما، وهذا نحو قول الشاعر [عمرو بن معديكرب ] :[الوافر]
وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
وقوله تعالى يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها الآية : يَوْمَ ظرف والعامل فيه أَلِيمٍ وقرأ جمهور الناس


الصفحة التالية
Icon