المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٨١
ثم رجاهم يعقوب عليه السلام بقوله : إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
وقوله : فَلَمَّا دَخَلُوا الآية، هاهنا محذوفات يدل عليها الظاهر، وهي : فرحل يعقوب بأهله أجمعين وساروا حتى بلغوا يوسف، فلما دخلوا عليه.
وآوى معناه : ضم وأظهر الحماية بهما، وفي الحديث :«أما أحدهم فأوى إلى اللّه فآواه اللّه».
وقيل : أراد «بالأبوين» : أباه وأمه - قاله ابن إسحاق والحسن - وقال بعضهم : أباه وجدته - أم أمه - حكاه الزهراوي - وقيل : أباه وخالته، لأن أمه قد كانت ماتت - قاله السدي -.
قال القاضي أبو محمد : والأول أظهر - بحسب اللفظ - إلا لو ثبت بسند أن أمه قد كانت ماتت.
وفي مصحف ابن مسعود :«آوى إليه أبويه وإخوته». وقوله : ادْخُلُوا مِصْرَ معناه : تمكنوا واسكنوا واستقروا، لأنهم قد كانوا دخلوا عليه، وقيل : بل قال لهم ذلك في الطريق حين تلقاهم - قاله السدي - وهذا الاستثناء هو الذي ندب القرآن إليه، أن يقوله الإنسان في جميع ما ينفذه بقوله في المستقبل، وقال ابن جريج : هذا مؤخر في اللفظ وهو متصل في المعنى بقوله : سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا التأويل ضعف.
والْعَرْشِ : سرير الملك، وكل ما عرش فهو عريش وعرش، وخصصت اللغة العرش لسرير الملك، وخَرُّوا معناه : تصوبوا إلى الأرض، واختلف في هذا السجود، فقيل : كان كالمعهود عندنا من وضع الوجه بالأرض، وقيل : بل دون ذلك كالركوع البالغ ونحوه مما كان سيرة تحياتهم للملوك في ذلك الزمان، وأجمع المفسرون أن ذلك السجود - على أي هيئة كان - فإنما كان تحية لا عبادة. قال قتادة : هذه كانت تحية الملوك عندهم. وأعطى اللّه هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة. وقال الحسن : الضمير في لَهُ للّه عز وجل.
قال القاضي أبو محمد : ورد على هذا القول.
وحكى الطبري : أن يعقوب لما بلغ مصر في جملته كلم يوسف فرعون في تلقيه فخرج إليه وخرج الملوك معه فلما دنا يوسف من يعقوب وكان يعقوب يمشي متوكئا على يهوذا - قال : فنظر يعقوب إلى الخيل والناس فقال : يا يهوذا، هذا فرعون مصر، قال : لا هو ابنك، قال : فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف يبدأ بالسلام، فمنعه يعقوب من ذلك وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل، فقال : السلام عليك يا مذهب الأحزان.
قال القاضي أبو محمد : ونحو هذا من القصص، وفي هذا الوقت قال يوسف ليعقوب : إن فرعون قد أحسن إلينا فادخل عليه شاكرا، فدخل عليه، فقال فرعون : يا شيخ ما مصيرك إلى ما أرى؟ قال : تتابع البلاء عليّ. قال : فما زالت قدمه حتى نزل الوحي : يا يعقوب، أتشكوني إلى من لا يضرك ولا ينفعك؟ قال :
يا رب ذنب فاغفره. وقال أبو عمرو الشيباني : تقدم يوسف يعقوب في المشي في بعض تلك المواطن فهبط جبريل فقال له : أتتقدم أباك؟ إن عقوبتك لذلك ألا يخرج من نسلك نبي.