المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٨٥
وقرأ مبشر بن عبيد :«و ما نسألهم» بالنون.
ثم ابتدأ اللّه تعالى الإخبار عن كتابه العزيز أنه ذكر وموعظة لجميع العالم - نفعنا اللّه به ووفر حظنا منه بعزته -.
وقرأت الجماعة «و كأيّن» بهمز الألف وشد الياء، قال سيبويه : هي كاف التشبيه اتصلت بأي، ومعناها معنى كم في التكثير. وقرأ ابن كثير «و كائن» بمد الألف وهمز الياء، وهو من اسم الفاعل من كان، فهو كائن ولكن معناه معنى كم أيضا. وقد تقدم استيعاب القراءات في هذه الكلمة في قوله : وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قتل [آل عمران : ١٤٦].
وال آيَةٍ هنا المخلوقات المنصوبة للاعتبار والحوادث الدالة على اللّه سبحانه في مصنوعاته، ومعنى يَمُرُّونَ عَلَيْها الآية - أي إذا جاء منها ما يحس أو يعلم في الجملة لم يتعظ الكافر به، ولا تأمله ولا اعتبر به بحسب شهواته وعمهه، فهو لذلك كالمعرض، ونحو هذا المعنى قول الشاعر :[الطويل ]
تمر الصبا صفحا بساكن ذي الغضا ويصدع قلبي أن يهب هبوبها
وقرأ السدي «و الأرض» بالنصب بإضمار فعل، والوقف - على هذا - في السَّماواتِ وقرأ عكرمة وعمرو بن فائد «و الأرض» بالرفع على الابتداء، والخبر قوله : يَمُرُّونَ وعلى القراءة بخفض «الأرض» ف يَمُرُّونَ نعت لآية. وفي مصحف عبد اللّه :«و الأرض يمشون عليها». وقوله : وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ الآية، قال ابن عباس : هي في أهل الكتاب الذين يؤمنون باللّه ثم يشركون من حيث كفروا بنبيه، أو من حيث قالوا عزير ابن اللّه، والمسيح ابن اللّه. وقال عكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد هي في كفار العرب، وإيمانهم هو إقرارهم بالخالق والرازق والمميت، فسماه إيمانا وإن أعقبه إشراكهم بالأوثان والأصنام - فهذا الإيمان لغوي فقط من حيث هو تصديقها. وقيل : هذه الآية نزلت بسبب قول قريش في الطواف والتلبية :
لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا سمع أحدهم يقول : لبيك لا شريك لك، يقول له : قط قط، أي قف هنا ولا تزد : إلا شريك هو لك.
وال غاشِيَةٌ ما يغشي ويغطي ويغم، وقرأ أبو حفص مبشر بن عبد اللّه :«يأتيهم الساعة بغتة» بالياء، وبَغْتَةً معناه : فجأة، وذلك أصعب، وهذه الآية من قوله : وَكَأَيِّنْ وإن كانت في الكفار - بحكم ما قبلها - فإن العصاة يأخذون من ألفاظها بحظ، ويكون الإيمان حقيقة والشرك لغويا كالرياء، فقد قال عليه السلام :«الرياء : الشرك الأصغر».
وقوله تعالى : قُلْ هذِهِ سَبِيلِي الآية، إشارة إلى دعوة الإسلام والشريعة بأسرها. قال ابن زيد :
المعنى : هذا أمري وسنتي ومنهاجي.
وقرأ ابن مسعود :«قل هذا سبيلي» «و السبيل» : المسلك، وتؤنث وتذكر، وكذلك الطريق، وبَصِيرَةٍ : اسم لمعتقد الإنسان في الأمر من الحق واليقين، و«البصيرة» أيضا في كلام العرب : الطريقة في الدم، وفي الحديث المشهور :«تنظر في النصل فلا ترى بصيرة»، وبها فسر بعض الناس قول الأشعر الجعفي :