المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٩١
خفض عطفا على الكتاب، فإن أردت مع ذلك ب الْكِتابِ القرآن، كانت «الواو» عطف صفة على صفة لشيء واحد، كما تقول : جاءني الظريف والعاقل، وأنت تريد شخصا واحدا، ومن ذلك قول الشاعر :
[المتقارب ]
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وإن أردت مع ذلك ب الْكِتابِ التوراة والإنجيل، فذلك بيّن، فإن تأولت مع ذلك المر حروف المعجم - رفعت قوله : الْحَقُّ على إضمار مبتدأ تقديره : هو الحق، وإن تأولتها كما قال ابن عباس ف الْحَقُّ خبر تِلْكَ ومن رفع الْحَقُّ بإضمار ابتداء وقف على قوله : مِنْ رَبِّكَ وباقي الآية ظاهر بين إن شاء اللّه.
وقوله تعالى : اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها الآية، لما تضمن قوله : وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ توبيخ الكفرة، عقب ذلك بذكر اللّه الذي ينبغي أن يوقن به، ويذكر الأدلة الداعية إلى الإيمان به.
والضمير في قوله : تَرَوْنَها قالت فرقة : هو عائد على السَّماواتِ، ف تَرَوْنَها - على هذا - في موضع الحال، وقال جمهور الناس : لا عمد للسماوات البتة، وقالت فرقة : الضمير عائد على العمد، ف تَرَوْنَها - على هذا - صفة للعمد، وقالت هذه الفرقة : للسماوات عمد غير مرئية - قاله مجاهد وقتادة - وقال ابن عباس : وما يدريك أنها بعمد لا ترى؟ وحكى بعضهم : أن العمد جبل قاف المحيط بالأرض، والسماء عليها كالقبة.
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله ضعيف، والحق أن لا «عمد» جملة، إذ العمد يحتاج إلى العمد ويتسلسل الأمر، فلا بد من وقوفه على القدرة، وهذا هو الظاهر من قوله تعالى : وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج : ٦٥] ونحو هذا من الآيات، وقال إياس بن معاوية : السماء مقببة على الأرض مثل القبة.
وفي مصحف أبيّ :«ترونه» بتذكير الضمير، و«العمد» : اسم جمع عمود، والباب في جمعه :
«عمد» - بضم الحروف الثلاثة كرسول ورسل، وشهاب وشهب وغيره، ومن هذه الكلمة قول النابغة :
[البسيط]
وخيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفّاح والعمد
وقال الطبري :«العمد» - بفتح العين - جمع عمود، كما جمع الأديم أدما.
قال القاضي أبو محمد : وليس كما قال، وفي كتاب سيبويه : إن الأدم اسم جمع، وكذلك نص اللغويون على العمد، ولكن أبا عبيدة ذكر الأمر غير متيقن فاتبعه الطبري.
وقرأ يحيى بن وثاب «بغير عمد» بضم العين والميم.
وقوله : ثُمَّ هي - هنا - لعطف الجمل لا للترتيب، لأن الاستواء على العرش قبل «رفع