المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٩٤
كأن عيني في غربي مقتلة من النواضح تسقي جنة سحقا
أي نخيل جنة، إذ لا توصف بالسحق إلا النخل، ومن خفض «الزرع» ف «الجنات» من مجموع ذلك لا من الزرع وحده، لأنه لا يقال للمزرعة جنة إلا إذا خالطتها شجرات.
وصِنْوانٌ جمع صنو، وهو الفرع يكون مع الآخر في أصل واحد، وربما كان أكثر من فرعين، قال البراء بن عازب : الصنوان : المجتمع، «و غير الصنوان» : المتفرق فردا فردا، ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم :«العم صنو الأب». وروي أن عمر بن الخطاب أسرع إليه العباس في ملاحاة فجاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال : أردت يا رسول اللّه أن أقول يا رسول اللّه لعباس، فذكرت مكانك منه فسكت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«يرحمك اللّه يا عمر العم صنو الأب». وفي كتاب الزكاة من صحيح مسلم أنه قال :«يا عمر أما شعرت أن العم صنو الأب» وجمع الصنو صنوان، وهو جمع مكسر، قال أبو علي :
وكسرة الصاد في الواحد ليست التي في الجمع، وهو جار مجرى فلك. وتقول : صنو وصنوان في الجمع بتنوين النون وإعرابه.
وقرأ عاصم - في رواية القواس عن حفص - «صنوان» بضم الصاد قال أبو علي : هو مثل ذئب وذؤبان.
قال القاضي أبو محمد : وهي قراءة ابن مصرف وأبي عبد الرحمن السلمي، وهي لغة تميم وقيس، وكسر الصاد هي لغة أهل الحجاز، وقرأ الحسن وقتادة «صنوان» بفتح الصاد وهو اسم جمع لا جمع ونظير هذه اللفظة : قنو وقنوان، وإنما نص على «الصنوان» في هذه الآية لأنها بمثابة التجاوز في القطع، تظهر فيه غرابة اختلاف الأكل.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي والحسن وأبو جعفر وأهل مكة :«تسقى» بالتاء، وأمال حمزة والكسائي القاف. وقرأ عاصم وابن عامر «يسقى» بالياء، على معنى يسقى ما ذكر. وقرأ الجمهور «نفضل» بالنون وقرأ حمزة والكسائي «و يفضل» بالياء، وقرأ ابن محيصن :«يسقى بماء واحد، ويفضل» بالياء فيهما، وقرأ يحيى بن يعمر وأبو حيوة «و يفضّل» بالياء وفتح الضاد «بعضها» بالرفع، قال أبو حاتم : وجدته كذلك في نقط يحيى بن يعمر في مصحفه - وهو أول من نقط المصاحف.
والْأُكُلِ اسم ما يؤكل، بضم الهمزة، والأكل المصدر.
وقرأت فرقة «في الأكل» بضم الهمزة والكاف، وقد تقدم هذا في البقرة وحكى الطبري عن غير واحد - ابن عباس وغيره - قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ أي واحدة سبخة، وأخرى عذبة، ونحو هذا من القول، وقال قتادة المعنى : قرى متجاوزات.
قال القاضي أبو محمد : وهذا وجه من العبرة كأنه قال : وفي الأرض قطع مختلفات بتخصيص اللّه لها بمعان، فهي «تسقى بماء واحد»، ولكن تختلف فيما تخرجه والذي يظهر من وصفه لها بالتجاور إنما هو أنها من تربة واحدة ونوع واحد، وموضع العبرة في هذا أبين لأنها مع اتفاقها في التربة والماء، تفضل