المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٠١
[الرعد : ١٠] ومِنْ أَمْرِ اللَّهِ يحتمل أن يكون صفة ل مُعَقِّباتٌ ويحتمل أن يكون المعنى : يحفظونه من كل ما جرى القدر باندفاعه، فإذا جاء المقدور الواقع أسلم المرء إليه.
وقال ابن عباس أيضا : الضمير في لَهُ عائد على المذكور في قوله مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ [الرعد : ١٠] وكذلك باقي الضمائر التي في الآية، قالوا : ومُعَقِّباتٌ - على هذا - حرس الرجل وجلاوزته الذين يحفظونه، قالوا : والآية - على هذا - في الرؤساء الكافرين، واختار هذا القول الطبري، وهو قول عكرمة وجماعة، قال عكرمة : هي المواكب خلفه وأمامه.
قال القاضي أبو محمد : ويصح على التأويل الأول الذي قبل هذا أن يكون الضمير في لَهُ للعبد المؤمن على معنى جعل اللّه له.
قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل عندي أقوى، لأن غرض الآية إنما هو التنبيه على قدرة اللّه تعالى، فذكر استواء مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ [الرعد : ١٠] ومن هو سارِبٌ [الرعد : ١٠] وأن لَهُ مُعَقِّباتٌ من اللّه تحفظه في كل حال، ثم ذكر أن اللّه تعالى لا يغير هذه الحالة من الحفظ للعبد حتى يغير ما بنفسه.
قال القاضي أبو محمد : وعلى كلا التأويلين ليست الضمائر لمعين من البشر.
وقال عبد الرحمن بن زيد : الآية في النبي عليه السلام، ونزلت في حفظ اللّه له من أربد بن ربيعة وعامر بن الطفيل في القصة التي ستأتي بعد هذا في ذكر الصواعق.
قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية وإن كانت بألفاظها تنطبق على معنى القصة فيضعف القول : إن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يتقدم له ذكر فيعود الضمير في لَهُ عليه.
و«المعقبات» : الجماعات التي يعقب بعضها بعضا، فعلى التأويل الأول هي الملائكة، وينظر هذا إلى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم :«يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة المغرب والصبح»، وعلى التأويل الثاني : هي الحرس والوزعة الذين للملوك.
ومُعَقِّباتٌ جمع معقبة وهي الجماعة التي تأتي بعد الأخرى، والتعقيب - بالجملة - أن تكون حال تعقبها حال أخرى من نوعها، وقد تكون من غير النوع، ومنه معاقبة الركوب ومعاقبة الجاني ومعقب عقبة القدر والمعاقبة في الأزواج، ومنه قول سلامة بن جندل :[البسيط]
وكرّنا الخيل في آثارهم رجعا كسر السنابك من بدء وتعقيب
وقرأ عبيد اللّه بن زياد على المنبر :«له معاقيب» قال أبو الفتح : هو تكسير معقب.
قال القاضي أبو محمد : بسكون العين وكسر القاف كمطعم ومطاعيم، ومقدم ومقاديم.
وهي قراءة أبي البرهسم - فكأن معقبا جمع على معاقبة ثم جعلت الياء في معاقيب عوضا من الهاء المحذوفة في معاقبة، والمعقبة ليست جمع معقب - كما ذكر ذلك الطبري وشبه ذلك برجل ورجال


الصفحة التالية
Icon