المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٠٤
وقال ابن جريج : كان سبب نزولها قصة أربد أخي لبيد بن ربيعة لأمّه وعامر بن الطفيل، وكان من أمرهما - فيما روي - أنهما قدما على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فدعاه إلى أن يجعل الأمر بعده إلى عامر بن الطفيل ويدخلا في دينه - فأبى، فقال عامر : فتكون أنت على أهل الوبر، وأنا على أهل المدر - فأبى، فقال له عامر : فماذا تعطيني؟ فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : أعطيك أعنة الخيل، فإنك رجل فارس فقال له عامر : واللّه لأملأنها عليك خيلا ورجالا حتى آخذك فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يأبى اللّه ذلك وابنا قيلة فخرجا من عنده، فقال أحدهما لصاحبه : لو قتلناه ما انتطح فيه عنزان، فتآمر في الرجوع لذلك، فقال عامر لأربد : أنا أشغله لك بالحديث واضربه أنت بالسيف فجعل عامر يحدثه وأربد لا يصنع شيئا فلما انصرفا قال له عامر : واللّه يا أربد لا خفتك أبدا ولقد كنت أخافك قبل هذا، فقال له أربد : واللّه لقد أردت إخراج السيف فما قدرت على ذلك، ولقد كنت أراك بيني وبينه أفأضربك؟ فمضيا للحشد على النبي صلى اللّه عليه وسلم فأصابت أربد صاعقة فقتلته، ففي ذلك يقول لبيد بن ربيعة أخوه :
أخشى على أربد الحتوف ولا أرهب نوء السماك والأسد
فجعني الرعد والصواعق بالفارس يوم الكريهة النجد
فنزلت الآية في ذلك.
وروي عن عبد الرحمن بن صحار العبدي أنه بلغه أن جبارا من جبابرة العرب بعث إليه النبي صلى اللّه عليه وسلم ليسلم فقال : أخبروني عن إله محمد أمن لؤلؤ هو أو من ذهب؟ فنزلت عليه صاعقة ونزلت الآية فيه.
وقال مجاهد : إن بعض اليهود جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم يناظره، فبينما هو كذلك إذ نزلت صاعقة فأخذت قحف رأسه فنزلت الآية فيه.
وقوله : وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ يجوز أن تكون إشارة إلى جدال اليهودي المذكور، وتكون الواو واو حال أو إلى جدال الجبار المذكور. ويجوز - إن كانت الآية على غير سبب - أن يكون قوله : وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ إشارة إلى جميع الكفرة من العرب وغيرهم، الذين جلبت لهم هذه التنبيهات.
والْمِحالِ : القوة والإهلاك، ومنه قول الأعشى :[الخفيف ]
فرع نبع يهتز في غصن المجد عظيم الندى شديد المحال
ومنه قول عبد المطلب :
لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا محالك
وقرأ الأعرج والضحاك «المحال» بفتح الميم بمعنى المحالة، وهي الحيلة، ومنه قول العرب في مثل : المرء يعجز لا المحالة، وهذا كالاستدراج والمكر ونحوه وهذه استعارات في ذكر اللّه تعالى، والميم إذا كسرت أصلية، وإذا فتحت زائدة، ويقال : محل الرجل بالرجل إذا مكر به وأخذه بسعاية شديدة.
قوله عز وجل :