المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣١٢
ونظيره كوسى في جمع كيسة وضوفى في جمع ضيفة.
قال القاضي أبو محمد : والذي قرأ :«و حسن» بالنصب هو يحيى بن يعمر وابن أبي عبلة واختلف في معنى طُوبى فقيل : خير لهم، وقال عكرمة : معناه نعم ما لهم، وقال الضحاك : معناه : غبطة لهم.
وقال ابن عباس : طُوبى : اسم الجنة بالحبشية، وقال سعيد بن مسجوع : اسم الجنة طُوبى بالهندية، وقيل طُوبى : اسم شجرة في الجنة - وبهذا تواترت الأحاديث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«طوبى شجرة في الجنة، يسير الراكب المجدّ في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرؤوا إن شئتم» :
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة : ٣٠] وحكى الطبري عن أبي هريرة وعن مغيث بن سميّ وعتبة بن عبد يرفعه أخبارا مقتضاها : أن هذه الشجرة ليس دار في الجنة إلا وفيها من أغصانها، وأنها تثمر بثياب أهل الجنة، وأنه يخرج منها الخيل بسروجها ولجمها ونحو هذا مما لم يثبت سنده.
و«المآب» : المرجع من آب يؤوب. ويقال في طُوبى طيبى.
قوله عز وجل :
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]
كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣١) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢)
الكاف في كَذلِكَ متعلقة بالمعنى الذي في قوله : قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ [الرعد : ٢٧] أي كما أنفذ اللّه هذا كَذلِكَ أرسلتك - هذا قول - والذي يظهر لي أن المعنى كما أجرينا العادة بأن اللّه يضل ويهدي، لا بالآيات المقترحة. فكذلك أيضا فعلنا في هذه الأمة : أَرْسَلْناكَ إليها بوحي، لا بآيات مقترحة، فيضل اللّه من يشاء ويهدي من يشاء.
وقوله : وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قال قتادة وابن جريج : نزلت حين عاهدهم رسول اللّه عام الحديبية، فكتب الكاتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم، فقال قائلهم : نحن لا نعرف الرحمن ولا نقرأ اسمه.
قال القاضي أبو محمد : والذي أقول في هذا : أن «الرحمن» يراد به اللّه تعالى وذاته، ونسب إليهم الكفر به على الإطلاق، وقصة الحديبية وقصة أمية بن خلف مع عبد الرحمن بن عوف، إنما هي إباية الاسم فقط، وهروب عن هذه العبارة التي لم يعرفوها إلا من قبل محمد عليه السلام.
ثم أمر اللّه تعالى نبيه بالتصريح بالدين والإفصاح بالدعوة في قوله : قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ