المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٣٤
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يريد ب «السلطان» في هذه الآية الغلبة والقدرة والملك، أي ما اضطررتكم ولا خوفتكم بقوة مني، بل عرضت عليكم شيئا، فأتى رأيكم عليه.
وقوله : فَلا تَلُومُونِي يريد بزعمه إذ لا ذنب لي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ في سوء نظركم وقلة تثبتكم فإنكم إنما أتيتم اتباعي عن بصيرة منكم وتكسب. و«المصرخ» المغيث، والصارخ : المستغيث. ومنه قول الشاعر :[البسيط]
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الصراخ له قطع الظنابيب
فيقال : صرخ الرجل، وأصرخ غيره، وأما الصريخ فهو مصدر بمنزلة البريح، ويوصف به، كما يقال : رجل عدل ونحوه.
وقرأ حمزة والأعمش وابن وثاب «بمصرخي» بكسر الياء تشبيها لياء الإضمار بهاء الإضمار في قوله :
مصرخيه، ورد الزجاج هذه القراءة، وقال : هي ردية مرذولة، وقال فيها القاسم بن معن : إنها صواب، ووجهها أبو علي وحكى أبو حاتم : أن أبا عمرو حسنها، وأنكر أبو حاتم على أبي عمرو.
وقوله : بِما أَشْرَكْتُمُونِ أي مع اللّه تعالى في الطاعة لي التي ينبغي أن يفرد اللّه بها، ف «ما» مصدرية، وكأنه يقول : إني الآن كافر بإشراككم إياي مع اللّه قبل هذا الوقت.
قال القاضي أبو محمد : فهذا تبر منه، وقد قال اللّه تعالى : وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر : ١٤] ويحتمل أن يكون اللفظ إقرارا على نفسه بكفره الأقدم، فتكون «ما» بمعنى الذي، يريد اللّه تعالى، أي خطيئتي قبل خطيئتكم، فلا إصراخ عندي، وباقي الآية بين.
وقرأ الجمهور «و أدخل» على بناء الفعل للمفعول، وقرأ الحسن :«و أدخل» على فعل المتكلم، أي يقولها اللّه عز وجل، وقوله : مِنْ تَحْتِهَا أي من تحت ما علا منها، كالغرف والمباني والأشجار وغيره.
و«الخلود» في هذه الآية على بابه في الدوام، و«الإذن» هنا عبارة عن القضاء والإمضاء، وقوله :
تَحِيَّتُهُمْ مصدر مضاف إلى الضمير، فجائز أن يكون الضمير للمفعول أي تحييهم الملائكة، وجائز أن يكون الضمير للفاعل، أي يحيي بعضهم بعضا.
وتَحِيَّتُهُمْ رفع بالابتداء، وسَلامٌ ابتداء ثان، وخبره محذوف تقديره عليكم، والجملة خبر الأول، والجميع في موضع الحال من المضمرين في خالِدِينَ أو يكون صفة ل جَنَّاتٍ.
قوله عز وجل :
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦)
قوله : أَلَمْ تَرَ بمعنى ألم تعلم، ومَثَلًا مفعول بضرب، وكَلِمَةً مفعول أول بها،