المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٣٧
القول الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، كلمة الإخلاص والنجاة من النار : لا إله إلا اللّه، والإقرار بالنبوة.
وهذه الآية تعم العالم من لدن آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، وقال طاوس وقتادة وجمهور العلماء :
الْحَياةِ الدُّنْيا هي مدة حياة الإنسان. وَفِي الْآخِرَةِ هي وقت سؤاله في قبره. وقال البراء بن عازب وجماعة فِي الْحَياةِ الدُّنْيا هي وقت سؤاله في قبره - ورواه البراء عن النبي عليه السلام في لفظ متأول.
قال القاضي أبو محمد : ووجه القول لأن ذلك في مدة وجود الدنيا.
وقوله فِي الْآخِرَةِ هو يوم القيامة عند العرض.
قال القاضي أبو محمد : والأول أحسن، ورجحه الطبري.
والظَّالِمِينَ في هذه الآية، الكافرين، بدليل أنه عادل بهم المؤمنين، وعادل التثبيت بالإضلال، وقوله : وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ تقرير لهذا التقسيم المتقدم، كأن امرأ رأى التقسيم فطلب في نفسه علته، فقيل له : وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ بحق الملك.
وفي هذه الآية رد على القدرية.
وذكر الطبري في صفة مساءلة العبد في قبره أحاديث، منها ما وقع في الصحيح. وهي من عقائد الدين، وأنكرت ذلك المعتزلة. ولم تقل بأن العبد يسأل في قبره، وجماعة السنة تقول : إن اللّه يخلق له في قبره إدراكات وتحصيلا، إما بحياة كالمتعارفة، وإما بحضور النفس وإن لم تتلبس بالجسد كالعرف، كل هذا جائز في قدرة اللّه تعالى، غير أن في الأحاديث :«إنه يسمع خفق النعال»، ومنها :«إنه يرى الضوء كأن الشمس دنت للغروب»، وفيها :«إنه ليراجع»، وفيها :«فيعاد روحه إلى جسده»، وهذا كله يتضمن الحياة - فسبحان رب هذه القدرة.
وقوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً الآية، هذا تنبيه على مثال من ظالمين أضلوا، والتقدير : بدلوا شكر نعمة اللّه كفرا، وهذا كقوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة : ٨٢].
ونِعْمَتَ اللَّهِ المشار إليها في هذه الآية هو محمد عليه السلام ودينه، أنعم اللّه به على قريش، فكفروا النعمة ولم يقبلوها، وتبدلوا بها الكفر.
والمراد ب الَّذِينَ كفرة قريش جملة - هذا بحسب ما اشتهر من حالهم - وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين. وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب : أنها نزلت في الأفجرين من قريش :
بني مخزوم وبني أمية. قال عمر : فأما بنو المغيرة فكفوا يوم بدر. وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين، وقال ابن عباس : هذه الآية في جبلة بن الأيهم.
قال القاضي أبو محمد : ولم يرد ابن عباس أنها فيه نزلت لأن نزول الآية قبل قصته، وإنما أراد أنها تحصر من فعل جبلة إلى يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon