المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٤٧
وأما إذا حيل في نحو هذا بالظرف فهو أشهر في الكلام كما قال الشاعر :
للّه در اليوم من لامها وقال آخر :[الوافر]
كما خط الكتاب بكفّ يوما يهوديّ يقارب أو يزيل
والمعنى : لا تحسب يا محمد - أنت ومن اعتبر بالأمر من أمتك وغيرهم - أن اللّه لا ينجز ميعاده في نصره رسله، وإظهارهم، ومعاقبة من كفر بهم، في الدنيا أو في الآخرة، فإن اللّه عزيز لا يمتنع منه شيء، ذو انتقام من الكفرة لا سبيل إلى عفوه عنهم.
وقوله : يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ الآية، يَوْمَ ظرف للانتقام المذكور قبله. ورويت في «تبديل الأرض» أقوال، منها في الصحيح : أن اللّه يبدل هذه الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة نقي، وفي الصحيح :
أن اللّه يبدلها خبزة يأكل المؤمن منها من تحت قدميه. وروي أنها تبدل أرضا من فضة. وروي : أنها أرض كالفضة من بياضها. وروي أنها تبدل من نار. وقال بعض المفسرين : تبديل الأرض : هو نسف جبالها وتفجير بحارها وتغييرها حتى لا يرى فيها عوج ولا أمت : فهذه حال غير الأولى، وبهذا وقع التبديل.
قال القاضي أبو محمد : وسمعت من أبي رضي اللّه عنه : أنه روي : أن التبديل يقع في الأرض، ولكن يبدل لكل فريق بما تقتضيه حاله، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه، وفريق يكون على فضة - إن صح السند بها - وفريق الكفرة يكونون على نار. ونحو هذا مما كله واقع تحت قدرة اللّه تعالى.
وأكثر المفسرين على أن التبديل يكون بأرض بيضاء عفراء لم يعص اللّه فيها. ولا سفك فيها دم، وليس فيها معلم لأحد، وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش»، وروي عنه أنه قال :«الناس وقت التبديل على الصراط»، وروي أنه قال «الناس حينئذ أضياف اللّه فلا يعجزهم ما لديه».
وبَرَزُوا مأخوذ من البراز، أي ظهروا بين يديه لا يواريهم بناء ولا حصن. وقوله : الْواحِدِ الْقَهَّارِ صفتان لائقتان بذكر هذه الحال.
قوله عز وجل :
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٩ الى ٥٢]
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢)
الْمُجْرِمِينَ هم الكفار، ومُقَرَّنِينَ مربوطين في قرن، وهو الحبل الذي تشد به رؤوس الإبل والبقر، ومنه قول الشاعر :[البسيط].
وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس