المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٥٩
قال القاضي أبو محمد : فجعلوا معنى صَلْصالٍ ومعنى حَمَإٍ في لزوم أنتن شيئا واحدا.
قال القاضي أبو محمد : و«الحمأ» جمع حمأة وهو الطين الأسود المنتن يخالطه ماء. و«المسنون» قال معمر : هو المنتن، وهو من أسن الماء إذا تغير.
قال القاضي أبو محمد : والتصريف يرد هذا القول. وقال ابن عباس :«المسنون» : الرطب.
قال القاضي أبو محمد : وهذا تفسير لا يخص اللفظة. وقال الحسن : المعنى : سن ذريته على خلقه. والذي يترتب في مَسْنُونٍ إما أن يكون بمعنى محكوك محكم العمل أملس السطح، فيكون من معنى المسن والسنان، وقولهم : سننت السكين وسننت الحجر : إذا أحكمت تمليسه، ومن ذلك قول الشاعر :[الخفيف ]
ثم دافعتها إلى القبة الخضراء وتمشي في مرمر مسنون
أي محكم الإملاس بالسن، وإما أن يكون بمعنى المصبوب، تقول : سننت التراب والماء إذا صببته شيئا بعد شيء، ومنه قول عمرو بن العاصي لمن حضر دفنه : إذا أدخلتموني في قبري فسنوا علي التراب سنا، ومن هذا : هو سن الغارة. وقال الزجاج : هو مأخوذ من كونه على سنة الطريق، لأنه إنما يتغير إذا فارق الماء، فمعنى الآية - على هذا - من حمأ مصبوب موضوع بعضه فوق بعض على مثال وصورة.
الْجَانَّ يراد به جنس الشياطين، ويسمون : جنة وجانا لاستتارهم عن العين. وسئل وهب بن منبه عنهم فقال : هم أجناب، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون، ومنهم أجناس تفعل هذا كله، منها السعالي والغول وأشباه ذلك.
وقرأ الحسن بن أبي الحسن :«و الجأن» بالهمز.
قال القاضي أبو محمد : والمراد بهذه الحلقة إبليس أبو الجن، وفي الحديث :«أن اللّه تعالى خلق آدم من جميع أنواع التراب الطيب والخبيث والأسود والأحمر». وفي سورة البقرة إيعاب هذا وقوله مِنْ قَبْلُ لأن إبليس خلق قبل آدم بمدة، وخلق آدم آخر الخلق. والسَّمُومِ - في كلام العرب - إفراط الحر حتى يقتل من نار أو شمس أو ريح. وقالت فرقة : السموم بالليل، والحرور بالنهار.
قال القاضي أبو محمد : وأما إضافة نارِ إلى السَّمُومِ في هذه الآية فيحتمل أن تكون النار أنواعا، ويكون السَّمُومِ أمرا يختص بنوع منها فتصح الإضافة حينئذ وإن لم يكن هذا فيخرج هذا على قولهم : مسجد الجامع، ودار الآخرة، على حذف مضاف.
قوله عز وجل :
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٢٨ الى ٣٣]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢)
قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣)