المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٦
قال القاضي أبو محمد : فهذه كقراءة ما بقي من الربا وكقول جرير :[البسيط]
هو الخليفة فارضوا ما رضي لكم ماضي العزيمة ما في حكمه جنف
و«صاحبه» أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه، وروي أن أبا بكر الصديق قال يوما وهو على المنبر : أيكم يحفظ سورة التوبة، فقال رجل أنا، فقال اقرأ فقرأ، فلما انتهى إلى قوله إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا بكى وقال أنا واللّه صاحبه، وقال الليث : ما صحب الأنبياء مثل أبي بكر الصديق، وقال سفيان بن عيينة : خرج أبو بكر بهذه الآية من المعاتبة التي في قوله : إِلَّا تَنْصُرُوهُ.
قال القاضي أبو محمد : أقول بل خرج منها كل من شاهد غزوة تبوك ولم يتخلف، وإنما المعاتبة لمن تخلف فقط، أما إن هذه الآية منوهة بأبي بكر حاكمة بقدمه وسابقته في الإسلام رضي اللّه عنه، وقوله :
إِنَّ اللَّهَ مَعَنا يريد به النصر والإنجاء واللطف، وقوله تعالى : فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ الآية، قال حبيب بن أبي ثابت : الضمير في عَلَيْهِ عائد على أبي بكر لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يزل ساكن النفس ثقة باللّه عز وجل.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول من لم ير السكينة إلا سكون النفس والجأش، وقال جمهور الناس :
الضمير عائد على النبي صلى اللّه عليه وسلم وهذا أقوى، و«السكينة» عندي إنما هي ما ينزله اللّه على أنبيائه من الحياطة لهم والخصائص التي لا تصلح إلا لهم، كقوله تعالى : فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة : ٢٤٨] ويحتمل أن يكون قوله فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ إلى آخر الآية يراد به ما صنعه اللّه لنبيه إلى وقت تبوك من الظهور والفتوح لا أن تكون هذه الآية تختص بقصة الغار والنجاة إلى المدينة، فعلى هذا تكون «الجنود» الملائكة النازلين ببدر وحنين، ومن رأى أن الآية مختصة بتلك القصة قال «الجنود» ملائكة بشروه بالنجاة وبأن الكفار لا ينجح لهم سعي، وفي مصحف حفصة «فأنزل اللّه سكينته عليهما وأيدهما»، وقرأ مجاهد «و أأيده» بألفين، والجمهور «و أيّده» بشد الياء، وقوله : وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى يريد بإدحارها ودحضها وإذلالها، وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا قيل يريد لا إله إلا اللّه، وقيل الشرع بأسره، وقرأ جمهور الناس «و كلمة» بالرفع على الابتداء، وقرأ الحسن بن أبي الحسن ويعقوب «و كلمة» بالنصب على تقدير وجعل كلمة، قال الأعمش : ورأيت في مصحف أنس بن مالك المنسوب إلى أبيّ بن كعب «و جعل كلمته هي العليا».
قوله عز وجل :
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢)
هذا أمر من اللّه عز وجل أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم بالنفر إلى الغزو فقال بعض الناس هذا أمر