المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٦٧
«لمنجّوهم»، وقرأ حمزة والكسائي «لمنجوهم» بسكون النون وضم الجيم مخففة، والضمير في لَمُنَجُّوهُمْ في موضع خفض بالإضافة، وانحذفت النون للمعاقبة، هذا قول جمهور النحويين، وقال الأخفش الضمير في موضع نصب وانحذفت النون لأنه لا بد من اتصال هذا الضمير.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر، وقوله إِلَّا امْرَأَتَهُ استثناء بعد استثناء وهما منقطعان فيما حكى بعض النحاة لأنهم لم يجعلوا امرأته الكافرة من آله.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر، لأنها قبل الاستثناء داخلة في اللفظ الذي هو الأول، وليس كذلك الأول مع «المجرمين»، فيظهر الاستثناء الأول منقطعا والثاني متصلا، والاستثناء بعد الاستثناء يرد المستثنى الثاني في حكم أمر الأول، ومثل بعض الناس في هذا بقولك : لي عندك مائة درهم إلا عشرة دراهم إلا درهمين، فرجعت الدرهمان في حكم التسعين الدرهم، وقال المبرد : ليس هذا المثال بجيد، لأنه من خلق الكلام ورثه إذ له طريق إلى أداء المعنى المقصود بأجمل من هذا التخليق، وهو أن يقول لي عندك مائة إلا ثمانية، وإنما ينبغي أن يكون مثالا للآية قولك : ضربت بني تميم إلا بني دارم إلا حاجبا، لأن حاجبا من بني دارم فلما كان المستثنى الأول في ضمنه ما لا يجري الحكم عليه، والضرورة تدخله في لفظه ولا يمكنك العبارة عنه دون ذلك الذي يجري الحكم عليهم اضطررت إلى استثناء ثان.
قال القاضي أبو محمد : ونزعة المبرد في هذا نبيلة، وقرأ جميعهم سوى عاصم في رواية أبي بكر «قدّرنا» بتشديد الدال في كل القرآن، وقرأ عاصم «قدرنا» بتخفيفها، ونقل في رواية حفص، والتخفيف يكون بمعنى التثقيل كما قال الهذلي أبو ذؤيب :[الطويل ]
ومفرهة عنس قدرت لساقها فخرت كما تتابع الريح بالقفل
يريد قدرت ضربي لساقها، وكقول النبي عليه السلام في الاستخارة :«و اقدر لي الخير حيث كان»، ويكون أيضا بمعنى سن ووفق ومنه قول الشاعر :[يزيد بن مفرغ ]
بقندهار ومن تقدير منيته يرجع دونه الخبر
وكسرت الألف من إِنَّها بسبب اللام التي في قوله لَمِنَ والغابر الباقي في الدهر وغيره، وقالت فرقة منهم النحاس : هو من الأضداد، يقال في الماضي وفي الباقي، وأما في هذه الآية فهي للبقاء أي من الغابرين في العذاب، وقوله تعالى : فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ الآيات، تقدم القول وذكر القصص في أمر لوط وصورة لقاء الرسل له، وقيل إن الرسل كانوا ثلاثة، جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وقيل كانوا اثني عشر وقوله مُنْكَرُونَ أي لا يعرفون في هذا القطر، وفي هذه اللفظة تحذير وهو من نمط ذمه لقومه وجريه إلى أن لا ينزل هؤلاء القوم في تلك المدينة خوفا منه أن يظهر سوء فعلهم وطلبهم الفواحش، فقالت الرسل للوط بل جئناك بما وعدك اللّه من تعذيبهم على كفرهم ومعاصيهم، وهو الذي كانوا يشكون فيه ولا يحققونه، وقرأت فرقة «فاسر» بوصل الألف، وقرأت فرقة «فأسر» بقطع الألف، يقال سرى وأسرى بمعنى، إذا سار ليلا، وقال النابغة :[البسيط] أسرت عليه من الجوزاء سارية


الصفحة التالية
Icon