المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٧٦
فتعلق سهم من نبله بإزاره، فخدش ساقه، ثم برىء فانتقض به ذلك الخدش بعد إشارة جبريل، فقتله، وقيل إن السهم قطع أكحله، قاله قتادة ومقسم، وركب العاصي بغلة في حاجة فلما جاء ينزل وضع أخمصه على شبرقه فورمت قدمه فمات، وعمي أبو زمعة، وكان يقول : دعا علي محمد بالعمى فاستجيب له، ودعوت عليه بأن يكون طريدا شريدا فاستجيب لي، وتمخض رأس الأسود بن عبد يغوث قيحا فمات، وامتلأ بطن الحارث ماء فمات حبنا.
قال القاضي أبو محمد : وفي ذكر هؤلاء وكفايتهم اختلاف بين الرواة في صفة أحوالهم، وما جرى لهم، جليت أصحه مختصرا طلب الإيجاز، ثم قرر تعالى ذنبهم في الكفر واتخاذ الأصنام آلهة مع اللّه تعالى، ثم توعدهم بعذاب الآخرة الذي هو أشق، وقوله تعالى : وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ آية تأنيس للنبي عليه السلام، وتسلية عن أقوال المشركين وإن كانت مما يقلق، وضيق الصدر يكون من امتلائه غيظا بما يكره الإنسان، ثم أمره تعالى بملازمة الطاعة وأن تكون مسلاته عند الهموم، وقوله مِنَ السَّاجِدِينَ يريد من المصلين، فذكر من الصلاة حالة القرب من اللّه تعالى وهي السجود، وهي أكرم حالات الصلاة وأقمنها بنيل الرحمة، وفي الحديث كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» فهذا منه عليه السلام أخذ بهذه الآية، والْيَقِينُ : الموت، بذلك فسره هنا ابن عمر ومجاهد والحسن وابن زيد، ومنه قول النبي عليه السلام عند موت عثمان بن مظعون :«أما هو فقد رأى اليقين»، ويروى «فقد جاءه اليقين». وليس الْيَقِينُ من أسماء الموت، وإنما العلم به يقين لا يمتري فيه عاقل، فسماه هنا يقينا تجوزا، أي يأتيك الأمر اليقين علمه ووقوعه وهذه الغاية معناها مدة حياتك، ويحتمل أن يكون المعنى حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ في النصر الذي وعدته.