المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٨٢
عن ذلك السقي الشجر، وهذا من التجوز، كقول الشاعر :[الرجز] أسنمة الآبال في ربابه وكما سمى الآخر العشب سماء، في قوله :[الوافر]
إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
قال أبو إسحاق : يقال لكل ما نبت على الأرض شجر، وقال عكرمة لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت يعني الكلأ. وتُسِيمُونَ معناه ترعون أنعامكم وسومها من الرعي وتسرحونها، ويقال للأنعام السائمة، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : وفي سائمة الغنم الزكاة، يقال أسام الرجل ماشيته إسامة إذا أرسلها ترعى، وسومها أيضا وسامت هي، ومن ذلك قول الأعشى :
ومشى القوم بالأنعام إلى الرّو حى وأعيى المسيم أين المساق
ومنه قول الآخر :[الكامل ]
مثل ابن بزعة أو كآخر مثله أولى لك ابن مسيمة الأجمال
أي راعية للأجمال وفسر المتأولون بترعون، وقرأ الجمهور «ينبت» بالياء على معنى ينبت اللّه، يقال نبت الشجر وأنبته اللّه، وروي أنبت الشجر بمعنى نبت، وكان الأصمعي يأبى ذلك ويتمم قصيدة زهير التي فيها : حتى إذا أنبت البقل، وقرأ أبو بكر عن عاصم، «ننبت» بنون العظمة، وخص عز وجل ذكر هذه الأربعة لأنها أشرف ما ينبت وأجمعها للمنافع، ثم عم بقوله مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ، ثم أحال القول على الفكرة في تصاريف النبات والأشجار وهي موضع عبر في ألوانها واطراد خلقها وتناسب ألطافها، فسبحان الخلاق العليم. وقوله تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ الآية، قرأ الجمهور بإعمال سَخَّرَ في جميع ما ذكر ونصب «مسخرات» على الحال المؤكدة، كما قال تعالى : هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً [فاطر : ٣١] وكما قال الشاعر :[البسيط] أنا ابن دارة معروفا بها نسبي ونحو هذا وقرأ ابن عامر «و الشمس والقمر والنجوم مسخرات» برفع هذا كله، وقرأ حفص عن عاصم «و النجوم مسخرات بأمره» بالرفع ونصب ما قبل ذلك، والمعنى في هذه الآية أن هذه المخلوقات مسخرات على رتبة قد استمر بها انتفاع البشر من السكون بالليل والسعي في المعايش وغير ذلك بالنهار، وأما منافع الشمس والقمر فأكثر من أن تحصى، وأما النجوم فهدايات، وبهذا الوجه عدت من جملة النعم على بني آدم، ومن النعمة بها ضياؤها أحيانا، قال الزجاج : وعلم عدد السنين والحساب بها.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر، وقرأ ابن مسعود والأعمش وطلحة بن مصرف «و الرياح مسخرات» في موضع «النجوم»، ثم قال إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لعظم الأمر لأن كل واحد مما ذكر آية في نفسه لا يشترك مع الآخر، وقال في الآية قبل الآية لأن شيئا واحدا يعم تلك الأربعة وهو النبات، وكذلك


الصفحة التالية
Icon