المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٩١
قال القاضي أبو محمد : ومن الرحمة والتغمد، أن يوفق اللّه العبد إلى أعمال برة، ومقصد الحديث نفي وجوب ذلك على اللّه تعالى بالعقل، كما ذهب إليه فريق من المعتزلة.
قوله عز وجل :
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤) وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥)
ْظُرُونَ
معناه ينتظرون، ونظر متى كانت من رؤية العين فإنما تعديها العرب ب «إلى»، ومتى لم تتعد ب «إلى» فهو بمعنى انتظر، كما قال امرؤ القيس :
فإنكما إن ت نظراني ساعة من الدهر تنفعني لدى أم جندب
ومنه قوله تعالى حكاية انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نور [الحديد : ١٣] وقد جاء شاذا نظرت بمعنى الرؤية متعديا بغير إلى كقول الشاعر :
باهرات الجمال والحسن ينظر ن كما تنظر الأراك الظباء
وقرأ الجمهور «تأتيهم» بالتاء من فوق، وقرأ حمزة والكسائي «يأتيهم» بالياء، وهي قراءة يحيى بن وثاب وطلحة والأعمش، ومعنى الكلام أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم ظالمي أنفسهم، وقوله وْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ
وعيد يتضمن قيام الساعة أو عذاب الدنيا، ثم ذكر تعالى أن هذا كان فعل أسلافهم من الأمم، أي فعوقبوا ولم يكن ذلك ظلما لأنه لم يوضع ذلك العقاب في غير موضعه، ولكن ظلموا أنفسهم بأن وضعوا كفرهم في جهة اللّه وميلهم إلى الأصنام والأوثان، فهذا وضع الشيء في غير موضعه، أي آذوها بنفس فعلهم، وإن كانوا لم يقصدوا ظلمها ولا إذايتها، وقوله فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا أي جزاء ذلك في الدنيا والآخرة. وَحاقَ معناه نزل وأحاط، وهنا محذوف يدل عليه الظاهر من الكلام، تقديره جزاء ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ، وقوله تعالى : وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا الآية، جدل من الكفار، وذلك أن أكثر الكفار يعتقدون وجود اللّه تعالى وأنه خالقهم ورازقهم، فإن كان أهل هذه الآية من هذا الصنف فكأنهم قالوا يا محمد : نحن من اللّه بمرىء في عبادة الأوثان لتنفع وتقرب زلفى، ولو كره اللّه فعلنا لغيره منذ مدة، إما بإهلاكنا وإما بهدايتنا، وكان من الكفار فريق لا يعتقد وجود اللّه تعالى، فإن كان أهل هذه الآية من هذا الصنف فكأنهم أخذوا الحجة على النبي صلى اللّه عليه وسلم من قوله، أي إن الرب الذي تثبته يا محمد وهو على ما تصفه يعلم ويقدر لا شك أنه يعلم حالنا، ولو كرهها لغيرها، والرد على هذين الفريقين هو في أن اللّه تعالى ينهى عن الكفر وقد أراده بقوم، وإنما نصب الأدلة وبعث الرسل ويسر كلّا لما حتم عليه، وهذا الجدال من أي الصنفين فرضته ليس فيه استهزاء، لكن أبا إسحاق الزجاج : قال إن هذا الكلام على


الصفحة التالية
Icon