المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤٠١
الجمهور «كشف»، وقرأ قتادة «كاشف»، ووجهها أنها فاعل من واحد بمعنى كشف وهي ضعيفة، وفَرِيقٌ هنا يراد به المشركون الذين يرون أن للأصنام أفعالا من شفاء المرض وجلب الخير ودفع الضر، فهم إذا شفاهم اللّه عظموا أصنامهم، وأضافوا ذلك الشفاء إليها، وقوله لِيَكْفُرُوا يجوز أن يكون اللام لام الصيرورة أي فصار أمرهم ليكفروا، وهم لم يقصدوا بأفعالهم تلك أن يكفروا، ويجوز أن تكون لام أمر على معنى التهديد والوعيد، كقوله اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ [فصلت : ٤٠] والكفر هنا يحتمل أن يكون كفر الجحد باللّه والشرك، ويؤيده قوله : بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ، ويحتمل أن يكون كفر النعمة وهو الأظهر، لقوله :
بِما آتَيْناهُمْ أي بما أنعمنا عليهم، وقرأ الجمهور فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ على معنى قل لهم يا محمد، وروى أبو رافع عن النبي عليه السلام «فيمتعوا» بياء من تحت مضمومة «فسوف يعلمون» على معنى ذكر الغائب وكذلك في الروم، وهي قراءة أبي العالية، وقرأ الحسن «فتمتعوا» على الأمر «فسوف يعلمون» بالياء على ذكر الغائب، وعلى ما روى أبو رافع يكون «يمتعوا» في موضع نصب عطفا على «يكفروا» إن كانت اللام لام كي، أو نصبا بالفاء في جواب الأمر إن كانت اللام لام أمر، ومعنى التمتع في هذه الآية بالحياة الدنيا التي مصيرها إلى الفناء والزوال.
قوله عز وجل :
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٥٦ الى ٥٩]
وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩)
الضمير في قوله وَيَجْعَلُونَ للكفار، وقوله لِما لا يَعْلَمُونَ يريد الأصنام، ومعناه لا يعلمون فيهم حجة ولا برهانا، ويحتمل أن يريد بقوله : يَعْلَمُونَ الأصنام، أي يجعلون لجمادات لا تعلم شيئا نَصِيباً، فالمفعول محذوف، ثم عبر عنهم بعبارة من يعقل بحسب مذهب الكفار الذين يسندون إليها ما يسند إلى من يعقل، وبحسب أنه إسناد منفي، وهذا كله ضعيف، و«النصيب» المشار إليه هو ما كانت العرب سنته من الذبح لأصنامها والإهداء إليها، والقسم لها من الغلات، ثم أمر اللّه تعالى نبيه عليه السلام، أن يقسم لهم أنهم سيسألون على افترائهم في أن تلك السنن هي الحق الذي أمر اللّه به كما قال بعضهم، و«الفرية» اختلاق الكذب وقوله وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ الآية، هذا تعديد لقبح قول الكفار :
الملائكة بنات اللّه ورد عليهم من وجهين، أحدهما نسبة النسل إلى اللّه تعالى عن ذلك، والآخر أنهم نسبوا من النسل الأخس المكروه عندهم، وما في قوله ما يَشْتَهُونَ مرتفعة بالابتداء، والخبر في المجرور قبله، وأجاز الفراء أن تكون في موضع نصب عطفا على الْبَناتِ، والبصريون لا يجيزون هذا لأنه من باب ضربتني، وكان يلزم عندهم أن يكون لأنفسهم ما يشتهون، والمراد بقوله ما يَشْتَهُونَ : الذكران من الأولاد، وقوله وَإِذا بُشِّرَ لما صرح بالشيء المبشر به حسن ذكر البشارة فيه وإلا فالبشارة مطلقة لا تكون إلا في خير، وقوله ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا عبارة عن العبوس والتقطيب الذي يلحق المغموم، وقد يعلو وجه


الصفحة التالية
Icon