المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤٠٧
للقرآن، أي فيه شفاء، وذهب قوم من أهل الجهالة إلى أن هذه الآية إنما يراد بها أهل البيت ورجال بني هاشم، وأنهم النحل، وأن الشراب القرآن والحكمة، وقد ذكر بعضهم هذا في مجلس المنصور أبي جعفر العباسي : فقال له رجل ممن حضر : جعل اللّه طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم، فأضحك الحاضرين، وبهت الآخر، وظهرت سخافة قوله، وباقي الآية بين.
قوله عز وجل :
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٧٠ الى ٧٢]
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢)
هذا تنبيه على الاعتبار في إيجادنا بعد العدم وإماتتنا بعد ذلك، ثم اعترض بمن ينكث من الناس لأنهم موضع عبرة، وأَرْذَلِ الْعُمُرِ آخره الذي تفسد فيه الحواس ويختل النطق، وخص ذلك بالرذيلة وإن كانت حال الطفولية كذلك، من حيث كانت هذه لأرجاء معها، والطفولية إنما هي بدأة والرجاء معها متمكن، وقال بعض الناس : أول أرذل العمر خمسة وسبعون سنة روي ذلك عن علي رضي اللّه عنه.
قال القاضي أبو محمد : وهذا في الأغلب، وهذا لا ينحصر إلى مدة معينة وإنما هو بحسب إنسان إنسان، والمعنى، منكم من يرد إلى أرذل عمره ورب من يكون ابن خمسين سنة وهو في أرذل عمره، ورب ابن مائة وتسعين ليس في أرذل عمره، واللام في لِكَيْ يشبه أن يكون لام صيرورة، وليس ببين، والمعنى ليصير أمره بعد العلم بالأشياء إلى أن لا يعلم شيئا، وهذه عبارة عن قلة علمه لا أنه لا يعلم شيئا البتة، ولم تحل لا بين «كي» ومعمولها لتصرفها، وأنها قد تكون زائدة ثم قرر تعالى علمه وقدرته التي لا تتبدل ولا تحملها الحوادث ولا تتغير، وقوله وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ إخبار يراد به العبرة، وإنما هي قاعدة يبنى المثل عليها، والمثل هو أن المفضلين لا يصح منهم أن يساهموا مماليكهم فيما أعطوا حتى تستوي أحوالهم، فإذا كان هذا في البشر فكيف تنسبون أنتم أيها الكفرة إلى اللّه تعالى أنه يسمح بأن يشرك في ألوهيته الأوثان والأنصاب، وهم خلقه وغيرها مما عبد كالملائكة والأنبياء وهم عبيده وخلقه، هذا تأويل الطبري، وحكاه عن ابن عباس وحكي عنه أن الآية مشيرة إلى عيسى ابن مريم عليه السلام، قال المفسرون :
هذه الآية كقوله تعالى ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ [الروم : ٢٨]، ثم وقفهم على جحدهم نعمة اللّه في تنبيهه لهم على مثل هذا من مواطن النظر المؤدية إلى الإيمان، وقرأ الجمهور وحفص عن عاصم «يجحدون» بالياء من تحت، وقرأ أبو بكر عن عاصم «تجحدون» بالتاء، وهي قراءة أبي عبد الرحمن والأعرج بخلاف عنه، وهي على معنى قل