المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤١٨
ولم يسميا المرأة، وقيل كانت امرأة موسوسة تسمى خطية تغزل عند الحجر وتفعل ذلك، وقال مجاهد وقتادة، ذلك ضرب مثل لا على امرأة معينة وأَنْكاثاً نصب على الحال، والنكث النقض، و«القوة» في اللغة واحدة قوى الغزل والحبل، وغير ذلك مما يظفر، ومنه قول الأغلب الراجز :
حبل عجوز فتلت سبع قوى ويظهر لي أن المراد ب «القوة» في الآية الشدة التي تحدث من تركيب قوى الغزل ولو قدرناها واحدة القوى لم يكن معها ما ينقض أَنْكاثاً، والعرب تقول أنكثت الحبل إذا انتقضت قواه، أما إن عرف الغزل أنه قوة واحدة، ولكن لها أجزاء كأنها قوة كثيرة له، قال مجاهد : المعنى من بعد إمرار قوة، و«الدخل» الدغل بعينه، وهي الذرائع إلى الخدع والغدر، وذلك أن المحلوف له مطمئن فيتمكن الحالف من ضره بما يريده، وقوله أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ، قال المفسرون : نزلت هذه الآية في العرب الذين كانت القبيلة منهم إذا حالفت الأخرى ثم جاءت إحداهما قبيلة كبيرة، قوية فداخلتها، غدرت الأولى ونقضت معها ورجعت إلى هذه الكبرى، فقال اللّه تعالى ولا تنقضوا العهود من أجل أن تكون قبيلة أزيد من قبيلة في العدد والعزة و«الربا» الزيادة، ويحتمل أن يكون القول معناه لا تنقضوا الأيمان من أجل أن تكونوا أربى من غيركم أي أزيد خيرا، فمعناه لا تطلبوا الزيادة بعضكم على بعض بنقض العهود، ويَبْلُوكُمُ معناه يختبركم، والضمير في بِهِ يحتمل أن يعود على الوفاء الذي أمر اللّه به، ويحتمل أن يعود على الربا، أي أن اللّه تعالى ابتلى عباده بالتحاسد وطلب بعضهم الظهور على بعض، واختبرهم بذلك ليرى من يجاهد نفسه ممن يتبعها هواها، وباقي الآية وعيد بين بيوم القيامة، وقوله هِيَ أَرْبى موضع أَرْبى عند البصريين رفع وعند الكوفيين نصب، وهي عماد ولا يجوز العماد هنا عند البصريين لأنه لا يكون مع النكرة، وأُمَّةٌ نكرة، وحجة الكوفيين أن أُمَّةٌ وما جرى مجراها من أسماء الأجناس تنكيرها قريب من التعريف، ألا ترى أن إدخال الألف واللام عليها لا يخصصها كبير تخصيص، وفي هذا نظر، وقوله تعالى :
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ الآية، أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنه يبتلي عباده بالأوامر والنواهي ليذهب كل أحد إلى ما يسر له، وذلك منه تعالى بحق الملك، وأنه لا يسأل عما يفعل، ولو شاء لكان الناس كلهم في طريق واحد، إما في هدى وإما في ضلالة، ولكنه تعالى شاء أن يفرق بينهم، . ويخص قوما بالسعادة وقوما بالشقاوة ويُضِلُّ ويَهْدِي معناه يخلق ذلك في القلوب خلافا لقول المعتزلة، ثم توعد في آخر الآية بسؤال كل أحد يوم القيامة عن عمله، وهذا سؤال توبيخ، وليس ثم سؤال تفهم، وذلك هو المنفي في آيات.
قوله عز وجل :
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٩٤ الى ٩٧]
وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)


الصفحة التالية
Icon