المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤٣٨
الأمرين بطاعة اللّه وتطلبون في الأرض العلو والفساد وتظلمون من قدرتم على ظلمة ونحو هذا.
قال القاضي أبو محمد : ومقتضى هذه الآيات أن اللّه تعالى أعلم بني إسرائيل في التوراة أنه سيقع منهم عصيان وطغيان وكفر لنعم اللّه تعالى عندهم في الرسل والكتب وغير ذلك، وأنه سيرسل عليهم أمة تغلبهم وتقتلهم وتذلهم، ثم يرحمهم بعد ذلك، ويجعل لهم الكرّة ويردهم إلى حالهم الأولى من الظهور، فيقع منهم المعاصي وكفر النعم والظلم والقتل والكفر باللّه من بعضهم، فيبعث اللّه عليهم أمة أخرى تخرب ديارهم وتقتلهم وتجليهم جلاء مبرحا، وأعطى الوجود بعد ذلك هذا الأمر كله وقيل : كان بين «المرتين» آخر الأولى وأول الثانية مائتا سنة وعشر سنين ملكا مؤبدا بأنبياء وقيل سبعون سنة.
قوله عز وجل :
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥ الى ٧]
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧)
الضمير في قوله أُولاهُما عائد على قوله مَرَّتَيْنِ [الإسراء : ٤] وعبر عن الشر ب «الوعد» لأنه قد صرح بذكر المعاقبة، وإذا لم يجىء «الوعد» مطلقا فجائز أن يقع في الشر، وقرأ علي بن أبي طالب والحسن بن أبي الحسن «عبيدا»، واختلف الناس في العبيد المبعوثين، وفي صورة الحال اختلافا شديدا متباعدا عيونه : أن بني إسرائيل عصوا وقتلوا زكرياء عليه السلام فغزاهم سنحاريب ملك بابل، كذا قال ابن إسحاق وابن جبير، وقال ابن عباس : غزاهم جالوت من أهل الجزيرة وروي عن عبد اللّه بن الزبير أنه قال في حديث طويل : غزاهم آخرا ملك اسمه خردوس، وتولى قتلهم على دم يحيى بن زكرياء قائد لخردوس اسمه بيورزاذان، وكف عن بني إسرائيل وسكن بدعائه دم يحيى بن زكرياء، وقيل غزاهم أولا صنحابين ملك رومة، وقيل بختنصر، وروي أنه دخل في جيش من الفرس وهو خامل يسير في مطبخ الملك فاطلع من جور بني إسرائيل على ما لم تعلمه الفرس لأنه كان يداخلهم، فلما انصرف الجيش ذكر ذلك للملك الأعظم، فلما كان بعد مدة جعله الملك رئيس جيش، وبعثه فخرب بيت المقدس وقتلهم وجلاهم ثم انصرف فوجدوا الملك قد مات فملك موضعه، واستمرت حاله حتى ملك الأرض بعد ذلك، وقالت فرقة :
إنما غزاهم بختنصر في المرة الأخيرة حين عصوا وقتلوا يحيى بن زكرياء، وصورة قتله : أن الملك أراد أن يتزوج بنت امرأته فنهاه يحيى عنها فعز ذلك على امرأته، فزينت بنتها وجعلتها تسقي الملك الخمر وقالت لها : إذا راودك الملك عن نفسك فتمنعي حتى يعطيك الملك ما تتمنين، فإذا قال لك تمني علي ما أردت، فقولي رأس يحيى بن زكرياء : ففعلت الجارية ذلك فردها الملك مرتين وأجابها في الثالثة، فجيء بالرأس في طست ولسانه يتكلم وهو يقول لا تحل لك، وجرى دم يحيى فلم ينقطع فجعل الملك عليه التراب


الصفحة التالية
Icon