المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤٤٣
والشر وأبطل ذلك قول النبي صلى اللّه عليه وسلم «لا عدوى ولا طيرة»، وقوله فِي عُنُقِهِ جرى أيضا على مقطع العرب في أن تنسب ما كان إلزاما وقلادة وأمانة ونحو هذا إلى العنق كقولهم : دمي في عنق فلان وكقول الأعشى :
والشعر قلدته سلامة ذا فائش والشيء حيثما جعلا
وهذا كثير، ونحوه جعلهم ما كان تكسبا وجناية وإثما منسوبا إلى اليد إذ هي الأصل في التكسب، وقرأ أبو جعفر ونافع والناس «و نخرج» بنون العظمة «كتابا» بالنصب، وقرأ الحسن ومجاهد وابن محيصن :
و«يخرج» بفتح الياء وضم الراء على الفعل المستقبل «كتابا» أي طائره الذي كني به عن عمله يخرج له ذا كتاب، وقرأ الحسن من هؤلاء «كتاب» بالرفع، وقرأ أبو جعفر أيضا «و يخرج» بضم الياء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله، «كتابا» أي طائره، وقرأ أيضا «كتابا»، وقرأت فرقة «و يخرج» بضم الياء وكسر الراء أي يخرج اللّه، وفي مصحف أبي بن كعب «في عنقه يقرؤه يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا»، وهذا الكتاب هو عمل الإنسان وخطيئاته، وقرأ الجمهور «يلقاه» بفتح الياء وسكون اللام وخفة القاف، وقرأ ابن عامر وحده، «يلقّاه» بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف وهي قراءة الحسن بخلاف، وأبي جعفر والجحدري، وقوله اقْرَأْ كِتابَكَ حذف من الكلام يقال له اختصار الدلالة الظاهرة عليه، و«الحسيب» الحاسب ونصبه على التمييز، وأسند الطبري عن الحسن أنه قال : يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك والآخر عن شمالك يحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت أو قلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً قد عدل واللّه فيك من جعلك حسيب نفسك.
قال القاضي أبو محمد : فعلى هذه الألفاظ التي ذكر الحسن يكون الطائر ما يتحصل مع آدم من عمله في قبره فتأمل لفظه، وهذا هو قول ابن عباس وقال قتادة في قوله : اقْرَأْ كِتابَكَ إنه سيقرأ يومئذ من لم يكن يقرأ.
قوله عز وجل :
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٥ الى ١٧]
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥) وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧)
معنى هذه الآية أن كل أحد إنما يحاسب عن نفسه لا عن غيره، وروي أن سببها أن الوليد بن المغيرة المخزومي قال لأهل مكة : اكفروا بمحمد وإثمكم علي، فنزلت هذه الآية : أي إن الوليد لا يحمل إثمكم وإنما إثم كل واحد عليه، وقالت فرقة نزلت الإشارة في الهدى إلى أبي سلمة بن عبد الأسد، والإشارة بالضلال إلى الوليد بن المغيرة، ووِزْرَ معناه حمل، والوزر الثقل، ومنه وزير السلطان أي يحمل ثقل دولته، وبهذه الآية نزعت عائشة أم المؤمنين رضي اللّه عنها في الرد على من قال : إن الميت يعذب ببكاء الحي


الصفحة التالية
Icon