المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤٤٥
ومنه قول معاوية لعمر رضي اللّه عنه حين أمره بالاستقادة من لطمة عمرو بن العاص، إن علي أميرا لا أقطع أمرا دونه، أراد معاوية رضي اللّه عنه أباه وأراد الأعشى أنه إذا شاخ الإنسان وعمي واهتدى بالعصا أطاع كل من يأمره، ومنه قول الآخر :[الكامل ]
والناس يلحون الأمير إذ هم خطئوا الصواب ولا يلام المرشد
وأيضا فلو أراد إمارة الملك في الآية لحسن المعنى، لأن الأمة إذا ملك اللّه عليها مترفا ففسق ثم ولي مثله بعده، ثم كذلك عظم الفساد وتوالى الكفر واستحقوا العذاب فنزل بهم على الرجل الأخير من ملوكهم، وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر «أمرنا» بكسر الميم وحكاها النحاس عن ابن عباس، ولا أتحقق وجها لهذه القراءة إلا إن كان أمر القوم يتعدى بلفظه، فإن العرب تقول آمر بنو فلان إذا كثروا، ومنه قول لبيد :
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا يوما يصيروا للقل والنفد
ومنه : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، ورد القراء هذه القراءة، وقد حكي أمر متعديا عن أبي زيد الأنصاري، و«المترف» الغني من المال المتنعم، والترفه النعمة، وفي مصحف أبي بن كعب :«قرية بعثنا أكابر مجرميها فمكروا فيها»، وقوله فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
أي وعيد اللّه لها الذي قاله رسولهم، والتدمير الإهلاك، مع طمس الآثار وهدم البناء، ومنه قول الفرزدق :[المتقارب ]
وكان لهم كبكر ثمود لمّا رغا دهرا فدمرهم دمارا
وقوله وَكَمْ أَهْلَكْنا الآية كَمْ في موضع نصب ب أَهْلَكْنا وهذا الذكر لكثرة من أهلك اللّه مِنَ الْقُرُونِ مثال لقريش ووعيد، أي لستم ببعيد مما حصلوا فيه من العذاب إذا أنتم كذبتم نبيكم، واختلف الناس في القرن، فقال ابن سيرين : عن النبي عليه السلام أربعون، وقيل غير هذا مما هو قريب منه، وقال عبد اللّه بن أبي أوفى القرن مائة وعشرون سنة، وقالت طائفة القرن مائة سنة، وهذا هو الأصح الذي يعضده الحديث في قوله عليه السلام «خير الناس قرني»، وروى محمد بن القاسم في ختنه عبد اللّه بن بسر، قال وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده على رأسي، وقال سيعيش هذا الغلام قرنا قلت : كم القرن؟ قال مائة سنة، قال محمد بن القاسم، فما زلنا نعد له حتى أكمل مائة سنة ومات رحمه اللّه، والباء في قوله بِرَبِّكَ زائدة التقدير وكفى بربك، وهذه الباء إنما تجيء في الأغلب في مدح أو ذم وكأنها تعطي معنى اكتف بربك أي ما أكفاه في هذا، وقد تجيء كَفى دون باء كقول الشاعر :[الطويل ] كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا وكقول الآخر :[الطويل ]
ويخبرني عن غائب الأمر هديه كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا
قوله عز وجل :