المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤٨٢
وجه سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح اللّه سبحانه بكل تلك اللغات يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة»، ذكره الطبري، وما أظن هذا القول يصح عن علي، وقالت فرقة الرُّوحِ القرآن، وهذه كلها أقوال مفسرة، والأول أظهرها وأصوبها، وقوله مِنْ أَمْرِ رَبِّي يحتمل تأويلين : أحدهما : أن يكون «الأمر» اسم جنس للأمور أي للروح من جملة أمور اللّه التي استأثر بعلمها، فهي إضافة خلق إلى خالق، والثاني أن يكون مصدرا من أمر يأمر أي الروح مما أمره أمرا بالكون فكان.
وقرأ ابن مسعود والأعمش «و ما أوتوا»، ورواها ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وقرأ الجمهور «و ما أوتيتم»، واختلف فيمن خوطب بذلك، فقالت فرقة : السائلون فقط، ترجم الطبري بذلك ثم أدخل تحت الترجمة عن قتادة أنهم اليهود، وقال قوم : المراد اليهود بجملتهم، وعلى هذا هي قراءة ابن مسعود، وقالت فرقة : العالم كله، وهذا هو الصحيح لأن قول اللّه له قُلِ الرُّوحُ إنما هو أمر بالقول لجميع العالم إذ كذلك هي أقواله كلها وعلى ذلك تمت الآية من مخاطبة الكل، ويحتمل أيضا أن تكون مخاطبة من اللّه للنبي ولجميع الناس ويتصف ما عند جميع الناس من العلم بالقلة بإضافته إلى علم اللّه عز وجل الذي هو بهذه الأمور التي عندنا من علمها طرف يسير جدا، كما قال الخضر عليه السلام لموسى عليه السلام، «ما نقص علمي وعلمك وعلم الخلائق من علم اللّه إلا كما نقص هذا العصفور من البحر»، وأراد الخضر علم اللّه تعالى بهذه الموجودات التي عند البشر من علمها طرف يسير نسبة إلى ما يخفى عليهم نسبة النقطة إلى البحر، وأما علم اللّه على الإطلاق فغير متناه، ويحتمل أن يكون التجوز في قول الخضر كما نقص هذا العصفور، أي إما لا ينقص علمنا شيئا من علم اللّه تعالى على الإطلاق ثم مثل بنقرة العصفور في عدم النقص، إذ نقصه غير محسوس، فكأنه معدوم، فهذا احتمال، ولكن فيه نظر، وقد قالت اليهود لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كيف لم نؤت من العلم إلا قليلا؟ وقد أوتينا التوراة، وهي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، فعارضهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعلم اللّه، فغلبوا، وقد نص رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كيف لم نؤت من العلم إلا قليلا؟ وقد أوتينا التوراة، وهي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، فعارضهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعلم اللّه، فغلبوا، وقد نص رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوله في بعض
الأحاديث «كلّا» يعني أن المراد ب أُوتِيتُمْ جميع العالم، وذلك أن يهود قالت له : نحن عنيت أم قومك؟ فقال «كلّا»، وفي هذا المعنى نزلت وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ [لقمان : ٢٧]، حكى ذلك الطبري رحمه اللّه، وقوله تعالى : وَلَئِنْ شِئْنا الآية فيها شدة على النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهي عتاب على قوله غدا أعلمكم، فأمر بأن يقول إن الروح من أمر ربه فيذعن بالتسليم للّه في أنه يعلم بما شاء، ويمسك عن عباده ما شاء، ثم قيل له وَما أُوتِيتُمْ أنت يا محمد وجميع الخلائق مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا، فاللّه يعلم من علمه بما شاء ويدع ما شاء، ولئن شاء لذهب بالوحي الذي أتاك، ثم لا ناصر لك منه، أي فليس بعظيم أن لا تجيء بتفسير في الروح الذي أردت أن تفسره للناس ووعدتهم بذلك، وروى ابن مسعود أنه ستخرج ريح حمراء من قبل الشام فتزيل القرآن من المصاحف ومن الصدور وتذهب به، ثم يتلو هذه الآية. أراد ابن مسعود بتلاوة الآية أن يبدي أن الأمر جائز الوقوع ليظهر مصداق خبره من كتاب اللّه تعالى. و«الوكيل» القائم بالأمر في الانتصار أو المخاصمة ونحو ذلك من وجود النفع، وقوله إِلَّا رَحْمَةً استثناء منقطع، أي لكن رحمة من ربك تمسك ذلك عليك، وهذا الاستثناء المنقطع يخصص تخصيصا ما، وليس كالمتصل، لأن المتصل يخصص من الجنس أو الجملة، والمنقطع