المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤٨٥
إلى اللّه، وقال «إنما جئتكم عند اللّه بأمر فيه صلاح دينكم ودنياكم، فإن سمعتم وأطعتم فحسن، وإلا صبرت لأمر اللّه حتى يحكم اللّه بيني وبينكم بما شاء»، فقالوا له حينئذ فإن كان ما تزعمه حقا ففجر ينبوعا ونؤمن لك، ولتكن لك جنة إلى غير ذلك مما كلفوه، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«هذا كله إلى اللّه، ولا يلزمني هذا ولا غيره، وإنما أنا مستسلم لأمر اللّه»، هذا هو معنى الحديث. وفي الألفاظ اختلاف وروايات متشعبة يطول سوق جميعها، فاختصرت لذلك. وقوله تعالى : أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ الآية، قرأ الجمهور «أو تسقط» بضم التاء، «السماء» نصب، وقرأ مجاهد «أو تسقط السماء» برفع «السماء» وإسناد الفعل إليها، وقوله كَما زَعَمْتَ إشارة إلى ما تلي عليهم قبل ذلك في قوله عز وجل إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ [سبأ : ٩]، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي «كسفا» بسكون السين إلا في الروم، فإنهم حركوها، ومعناه قطعا واحدا، قال مجاهد : السماء جميعا وتقول العرب : كسفت الثوب ونحوه قطعته، ف «الكسف» بفتح السين المصدر، والكسف الشيء المقطوع، قال الزجاج : المعنى أو تسقط السماء علينا قطعا، واشتقاقه من كسفت الشيء إذا غطيته.
قال القاضي أبو محمد : وليس بمعروف في دواوين اللغة كسف بمعنى غطى، وإنما هو بمعنى قطع، وكأن كسوف الشمس والقمر قطع منهما، وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر «كسفا» بفتح السين أي قطعا جمع كسفه، وقوله قَبِيلًا قيل معناه مقابلة وعيانا، وقيل معناه ضامنا وزعيما بتصديقك، ومنه القبالة وهي الضمان والقبيل، والمتقبل الضامن، وقيل معناه نوعا وجنسا لا نظير له عندنا، وقرأ الأعرج «قبلا» وقيل بمعنى المقابلة.
قوله عز وجل :
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٣ الى ٩٥]
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥)
قال المفسرون :«الزخرف» الذهب في هذا الموضع، والزخرف ما تزين به، كان بذهب أو غيره، ومنه حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها [يونس : ٢٤] وفي قراءة عبد اللّه بن مسعود «أو يكون لك بيت من ذهب»، قال مجاهد ما كنا نعرف الزخرف حتى قرأنا في حرف عبد اللّه «من ذهب»، وقوله فِي السَّماءِ يريد في الهواء علوا، والعرب تسمي الهواء علوا سماء لأنه في حيز السمو. ويحتمل أن يريدوا السماء المعروفة، وهو أظهر لأنه أعلمهم أن إله الخلق فيها وأنه تأتيه خبرها، وتَرْقى معناه تصعد، والرقي الصعود، ويروى أن قائل هذه المقالة هو عبد اللّه بن أبي أمية، فإنه قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
أنا لا أؤمن لك حتى تأتي بكتاب أراك هابطا به فيه من اللّه عز وجل إلى عبد اللّه بن أبي أمية، وروي أن جماعتهم طلبت هذا النحو منه، فأمره اللّه عز وجل أن يقول سُبْحانَ رَبِّي أي تنزيها له من الإتيان مع