المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤٩٤

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة الكهف
هذه السورة مكية في قول جميع المفسرين، وروي عن فرقة أن أول السور نزل بالمدينة إلى قوله جُرُزاً [الكهف : ٨] والأول أصح، وهي من أفضل سور القرآن، وروي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : ألا أخبركم بسورة عظمها ما بين السماوات والأرض ولمن جاء بها من الأجر مثل ذلك؟ قالوا :
أي سورة هي يا رسول اللّه؟ قال : سورة الكهف، من قرأ بها يوم الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، في رواية أنس، ومن قرأ بها أعطي نورا بين السماء والأرض ووقي بها فتنة القبر.
قوله عز وجل :
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (٤)
ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥)
كان حفص عن عاصم يسكت عند قوله عِوَجاً سكتة خفيفة، وعند مَرْقَدِنا [ص : ٥٢] في سورة يس، وسبب هذه البدأة في هذه السورة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما سألته قريش عن المسائل الثلاث، الروح، والكهف، وذي القرنين، حسبما أمرتهم بهن يهود، قال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غدا أخبركم، بجواب سؤالكم، ولم يقل إن شاء اللّه، فعاتبه اللّه عز وجل بأن استمسك الوحي عنه خمسة عشر يوما، فأرجف به كفار قريش، وقالوا : إن محمدا قد تركه ربه الذي كان يأتيه من الجن، وقال بعضهم : قد عجز عن أكاذيبه إلى غير ذلك، فشق ذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبلغ منه، فلما انقضى الأمد الذي أراد اللّه تعالى عتاب محمد إليه، جاءه الوحي من اللّه بجواب الأسئلة وغير ذلك، فافتتح الوحي بحمد اللّه الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ أي بزعمكم أنتم يا قريش، وهذا كما تقول لرجل يحب مساءتك فلا يرى إلا نعمتك الحمد للّه الذي أنعم علي وفعل بي كذا على جهة النقمة عليه، والْكِتابَ هو القرآن، وقوله وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً أي لم يزله عن طريق الاستقامة، و«العوج» فقد الاستقامة، وهو بكسر العين في الأمور والطرق وما لا يحس متنصبا شخصا، و«العوج» بفتح العين في الأشخاص كالعصا والحائط ونحوه، وقال ابن عباس : معناه ولم يجعله مخلوقا، وقوله وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ


الصفحة التالية
Icon