المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٥٠١
لما اقتضى قوله لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى [الكهف : ١٢] اختلافا وقع في أمر الفتية، عقب بالخبر عن أنه عز وجل يعلم من أمرهم بِالْحَقِّ الذي وقع، وفي مجموع هذه الآيات جواب قريش عن سؤالهم الذي أمرتهم به بنو إسرائيل. و«القص» الإخبار بأمر يسرد، لا بكلام يروى شيئا شيئا، لأن تلك المخاطبة ليست بقصص، وقوله وَزِدْناهُمْ هُدىً أي يسرناهم للعمل الصالح والانقطاع إلى اللّه عز وجل ومباعدة الناس والزهد في الدنيا، وهذه زيادات على الإيمان. وقوله وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ عبارة عن شدة عزم وقوة صبر أعطاها اللّه لهم، ولما كان الفزع وخور النفس يشبه بالتناسب الانحلال، حسن في شدة النفس وقوة التصميم أن يشبه الربط، ومنه يقال : فلان رابط الجأش إذا كان لا تفرق نفسه عند الفزع والحرب وغيرها، ومنه الربط على قلب أم موسى، وقوله إِذْ قامُوا فَقالُوا يحتمل معنيين، أحدهما أن يكون هذا وصف مقامهم بين يدي الملك الكافر، فإنه مقام يحتاج إلى الربط على القلب حيث صلبوا عليه وخالفوا دينه ورفضوا في ذات اللّه هيبته، والمعنى الثاني أن يعبر بالقيام عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى اللّه ومنابذة الناس، كما تقول قام فلان إلى أمر كذا إذا اعتزم عليه بغاية الجد، وبهذه الألفاظ التي هي قاموا فقالوا تعلقت الصوفية في القيام والقول، وقرأ الأعمش «إذ قاموا قياما فقالوا»، وقولهم : لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً أي لو دعونا من دون ربنا إلها، والشطط الجور، وتعدي الحد والغلو بحسب الأمر، ومنه اشتط الرجل في السوم إذا طلب في سلعته فوق قيمتها، ومنه شطوط النوى والبعد، ومن اللفظة قول الشاعر :
[الطويل ]
ألا يا لقوم قد اشتط عواذلي ويزعمن أن أودى بحقي باطلي
وقولهم : هؤُلاءِ قَوْمُنَا مقالة تصلح أن تكون مما قالوا في مقامهم بين يدي الملك، وتصلح أن تكون من قول بعضهم لبعض عند قيامهم للأمر الذي عزموا عليه، وقولهم : لَوْلا يَأْتُونَ تحضيض بمعنى التعجيز، لأنه تحضيض على ما لا يمكن، وإذا لم يمكنهم ذلك لم يجب أن تلفت دعواهم، و«السلطان» الحجة، وقال قتادة : المعنى بعذر بين، وهذه عبارة محلقة، ثم عظموا جرم الداعين مع اللّه آلهة وظلمهم بقوله على جهة التقرير فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وقولهم وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ الآية أن القيام في قوله إِذْ قامُوا عزما كما تضمن التأويل الواحد وكان القول منهم فيما بينهم فهذه المقالة يصح أن تكون من قولهم الذي قالوه عند قيامهم، وإن كان القيام المذكور مقامهم بين يدي الملك فهذه المقالة لا يترتب أن تكون من مقالهم بين يدي الملك، بل يكون في الكلام حذف تقديره وقال بعضهم لبعض، وبهذا يترجح أن قوله تعالى : إِذْ قامُوا فَقالُوا إنما المراد به إذ عزموا ونفذوا لأمرهم، وقوله إِلَّا اللَّهَ إن فرضنا