المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٥٠٣
تؤم بها الحداة مياه نخل وفيها عن أبانين ازورار
وفي حديث غزوة مؤتة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى في سرير عبد اللّه بن رواحة ازورارا عن سرير جعفر وزيد بن حارثة، وقرأ الجمهور «تقرضهم» بالتاء، وفرقة «يقرضهم» بالياء، أي الكهف كأنه من القرض وهو القطع، أي يقتطعهم الكهف بظله من ضوء الشمس، وجمهور من قرأ بالتاء، فالمعنى أنهم كانوا لا تصيبهم شمس البتة وهو قول ابن عباس، فيتأولون «تقرضهم» بمعنى تتركهم، أي كأنها عنده تقطع كلّ ما لا تناله عن نفسها، وفرقة ممن قرأ بالتاء تأول أنها كانت بالعشي تنالهم، فكأنها «تقرضهم» أي تقتطعهم مما لا تناله، وقالوا كان في مسها لهم بالعشي صلاح لأجسامهم، وحكى الطبري أن العرب تقول :
قرضت موضع كذا أي قطعته، ومنه قول ذي الرمة :[الطويل ]
إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف شمالا وعن أيمانهن الفوارس
ومنه أقرضني درهما أي اقطعه لي من مالك، وهذه الصفة مع الشَّمْسَ تقتضي أنه كان لهم حاجب من جهة الجنوب وحاجب من جهة الدبور وهم في زاويته، وحكى الزجاج وغيره قال : كان باب الكهف ينظر إلى بنات نعش، وقاله عبد اللّه بن مسلم وهذا نحو ما قلناه، غير أن الكهف كان مستور الأعلى من المطر، وذهب الزجاج إلى أن فعل الشمس كان آية من اللّه تعالى دون أن يكون باب الكهف إلى جهة توجب ذلك، وقوله ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ يحتمل أن يريد ذات يمين الكهف بأن نقدر باب الكهف بمثابة وجه إنسان فإن الشمس تجيء منه أول النهار عن يمين، وآخره عن شمال، ويحتمل أن يريد ذات يمين الشمس وذات شمالها، بأن نقدر الشعاع الممتد منها إلى الكهف بمثابة وجه إنسان، والوجه الأول أصح و«الفجوة» المتسع وجمعها فجى، قال قتادة : في فضاء منه، ومنه الحديث كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسير العنف فإذا وجد فجوة نص، وقال ابن جبير : فِي فَجْوَةٍ في مكان داخل، وقوله ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ الإشارة إلى الأمر بجملته، وعلى قول الزجاج إن الشمس كانت تزاور وتقرض دون حجاب تكون الإشارة إلى هذا المعنى خاصة ثم تابع بتعظيم اللّه عز وجل والتسليم له وما يقتضي صرف الآمال إليه، وقوله وَتَحْسَبُهُمْ الآية، صفة حال قد نقضت وجاءت أفعالها مستقبلة تجوزا واتساعا وأَيْقاظاً جمع يقظ كعضد وأعضاد، وهو المنتبه قال أهل التفسير : كانت أعينهم مفتوحة وهم نائمون، فلذلك كان الرائي يحسبهم أَيْقاظاً.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يحسب الرائي ذلك لشدة الحفظ الذي كان عليهم وقلة التغير، وذلك أن الغالب على النوام أن يكون لهم استرخاء وهيئات تقتضي النوم، ورب نائم على أحوال لم يتغير عن حالة اليقظة فيحسبه الرائي يقظانا وإن كان مسدود العينين، ولو صح فتح أعينهم بسند يقطع العذر كان أبين في أن يحسب عليهم التيقظ، وقرأ الجمهور «و نقلبهم» بنون العظمة، وقرأ الحسن «و تقلّبهم» بالتاء المفتوحة وضم اللام والباء، وهو مصدر مرتفع بالابتداء، قاله أبو حاتم، وحكى ابن جني القراءة عن الحسن بفتح التاء وضم اللام وفتح الباء، وقال هذا نصب بفعل مقدر كأنه قال وترى أو تشاهد تقلبهم، وأبو حاتم أثبت، ورأت فرقة أن التقلب هو الذي من أجله كان الرائي يحسبهم أَيْقاظاً وهذا وإن كان التقلب


الصفحة التالية
Icon