المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٥٠٥
أمرهم، أن اللّه عز وجل حفظ لهم الحالة التي ناموا عليها، لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية، فلم يبل لهم ثوب، ولا تغيرت صفة، ولا أنكر الناهض إلى المدينة إلا معالم الأرض والبناء، ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليه أهم، ولروي ذلك، وقرأ الجمهور «رعبا» بسكون العين، وقرأ «رعبا» بضمها أبو جعفر وعيسى، قال أبو حاتم : هما لغتان.
قوله عز وجل :
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠)
الإشارة بذلك إلى الأمر الذي ذكر اللّه في جهتهم، والعبرة التي فعلها فيهم، و«البعث» التحريك عن سكون، واللام في قوله لِيَتَسائَلُوا لام الصيرورة، لأن بعثهم لم يكن لنفس تساؤلهم، وقول القائل كَمْ لَبِثْتُمْ يقتضي أنه هجس في خاطره طول نومهم، واستشعر أن أمرهم خرج عن العادة بعض الخروج، وظاهر أمرهم أنهم انتبهوا في حال من الوقت والهواء الزمني، لا تباين التي ناموا فيها، وأما أن يجدد الأمر جدا فبعيد، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم «بورقكم» بكسر الراء وقرأ أبو عمرو وحده وأبو بكر عن عاصم «بورقكم» بسكون الراء وهما لغتان، وحكى الزجاج قراءة «بورقكم» بكسر الواو وسكون الراء دون إدغام، وروي عن أبي عمرو الإدغام، وإنما هو إخفاء، لأن الإدغام مع سكون الراء متعذر، وأدغم ابن محيصن القاف في الكاف قال أبو حاتم : وذلك إنما يجوز مع تحريك الراء، وقرأ علي بن أبي طالب «بوارقكم»، اسم جمع كالحامل والباقر، وقرأ أبو رجاء، «بورقكم» بكسر الواو والراء والإدغام، ويروى أنهم انتبهوا جياعا، وأن المبعوث هو تلميخا، وروي أنهم صلوا كأنما ناموا ليلة واحدة، وبعثوا تلميخا في صبيحتها، وروي أن باب الكهف انهدم بناء الكفار منه بطول السنين، وروي أن راعيا هدمه ليدخل فيه غنمه، فأخذ تلميخا ثيابا رثة منكرة ولبسها، وخرج من الكهف، فأنكر ذلك البناء المهدوم إذ لم يعرفه، ثم مشى فجعل ينكر الطريق والمعالم ويتحير، وهو في ذلك لا يشعر شعورا تاما، بل يكذب ظنه فيما تغير عنده حتى بلغ باب المدينة، فرأى على بابها أمارة الإسلام، فزادت حيرته وقال كيف هذا بلد دقيوس، وبالأمس كنا معه تحت ما كنا، فنهض إلى باب آخر فرأى نحوا من ذلك، حتى مشى الأبواب كلها، فزادت حيرته، ولم يميز بشرا، وسمع الناس يقسمون باسم عيسى، فاستراب بنفسه وظن أنه جن، أو انفسد عقله، فبقي حيران يدعو اللّه تعالى، ثم نهض إلى
بائع الطعام الذي أراد شراءه فقال يا عبد اللّه بعني من طعامك بهذه الورق، فدفع إليه دراهم كأخفاف الربع فيما ذكر، فعجب لها البياع، ودفعها إلى آخر بعجبه، وتعاطاها الناس وقالوا له هذه دراهم عهد فلان الملك، من أين أنت، وكيف وجدت هذا الكنز؟
فجعل يبهت ويعجب، وقد كان بالبلد مشهورا هو وبيته، فقال : ما أعرف غير أني وأصحابي خرجنا بالأمس


الصفحة التالية
Icon