المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٥٠٧
المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم، وإلى هذا ذهب الطبري، وذلك أنهم، فيما روي، دخلتهم حينئذ فتنة في أمر الحشر وبعث الأجساد من القبور، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه، وقالوا إنما تحشر الأرواح، فشق على ملكهم ذلك وبقي حيران لا يدري كيف يبين أمره لهم، حتى لبس المسوح وقعد على الرماد، وتضرع إلى اللّه في حجة وبيان، فأعثر اللّه على أهل الكهف، فلما بعثهم اللّه، وتبين الناس أمرهم، سر الملك ورجع من كان شك في بعث الأجساد إلى اليقين به، وإلى هذا وقعت الإشارة بقوله إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ على هذا التأويل، ويحتمل أن يعمل في أَنَّ على هذا التأويل، أَعْثَرْنا، ويحتمل أن يعمل فيه لِيَعْلَمُوا، والضمير في قوله لِيَعْلَمُوا يحتمل أن يعود على أصحاب الكهف، أي جعل اللّه أمرهم آية لهم دالة على بعث الأجساد من القبور، وقوله إِذْ يَتَنازَعُونَ على هذا التأويل ابتداء خبر عن القوم الذين بعثوا على عهدهم، والعامل في إِذْ، فعل مضمر تقديره واذكر، ويحتمل أن يعمل فيه فَقالُوا إِذْ يَتَنازَعُونَ ابْنُوا عَلَيْهِمْ.
والتنازع على هذا التأويل، إنما هو في أمر البناء أو المسجد، لا في أمر القيامة، و«الريب» : الشك، والمعنى أن الساعة في نفسها وحقيقتها لا شك فيها، وإن كان الشك قد وقع لناس، فذلك لا يلحقها منه شيء، وقيل إن التنازع إنما هو في أن اطلعوا عليهم فقال بعض هم أموات، وبعض هم أحياء، وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم، وتركهم فيه مغيبين، فقالت الطائفة الغالبة على الأمر : لنتخذن عليهم مسجدا، فاتخذوه، وقال قتادة الَّذِينَ غَلَبُوا هم الولاة، وقرأ الحسن وعيسى الثقفي :«غلبوا» بضم الغين وكسر اللام، والمعنى أن الطائفة التي أرادت المسجد كانت أولا تريد أن لا يبنى عليهم شيء، وأن لا يعرض لموضعهم، فروي أن طائفة أخرى مؤمنة أرادت ولا بد طمس الكهف، فلما غلبت الأولى على أن يكون بنيان ولا بد، قالت يكون مسجدا، فكان، وروي أن الطائفة التي دعت إلى البنيان، إنما كانت كافرة، أرادت بناء بيعة أو مصنع لكفرهم، فمانعهم المؤمنون، وقالوا لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً، وروي عن عبيد بن عمير أن اللّه عمى على الناس حينئذ أثرهم، وحجبهم عنهم، فلذلك دعا إلى بناء البنيان ليكون معلما لهم.
قوله عز وجل :
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤)
الضمير في قوله سَيَقُولُونَ يراد به أهل التوراة، من معاصري محمد صلى اللّه عليه وسلم، وذلك أنهم اختلفوا في عدد أهل الكهف هذا الاختلاف المنصوص، وقرأ الجمهور «ثلاثة»، وقرأ ابن محيصن «ثلاث» بإدغام التاء في الثاء، وقرأ شبل عن ابن كثير «خمسة» بفتح الميم اتباعا لعشرة، وقرأ ابن محيصن «خمسة» بكسر الخاء والميم، وقوله رَجْماً بِالْغَيْبِ معناه ظنا، وهو مستعار من الرجم، كأن الإنسان


الصفحة التالية
Icon