المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٥١٣
فائد وموسى الأسواري «أغفلنا قلبه» على معنى أهمل ذكرنا وتركه، قال ابن جني المعنى من ظننا غافلين عنه، وذكر أبو عمرو الداني أنها قراءة عمرو بن عبيد و«الفرط» يحتمل أن يكون بمعنى التفريط والتضييع، أي أمره الذي يجب أن يلتزم، ويحتمل أن يكون بمعنى الإفراط والإسراف، أي أمره وهواه الذي هو بسبيله، وقد فسره المتأولون بالعبارتين : أعني التضييع والإسراف، وعبر خباب عنه بالهلاك، وداود بالندامة، وابن زيد بالخلاف للحق، وهذا كله تفسير بالمعنى، وقوله تعالى : وَقُلِ الْحَقُّ الآية، المعنى وقل لهم يا محمد هذا الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ أي هذا القرآن، أو هذا الإعراض عنكم، وترك الطاعة لكم، وصبر النفس مع المؤمنين، وقرأ قعنب وأبو السمال «و قل» بفتح اللام قال أبو حاتم وذلك رديء في العربية، وقوله فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ الآية توعد وتهديد، أي فليختر كل امرئ لنفسه ما يجده غدا عند اللّه عز وجل، وتأولت فرقة فَمَنْ شاءَ اللّه إيمانه فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ اللّه كفره فَلْيَكْفُرْ، وهو متوجه، أي فحقه الإيمان وحقه الكفر، ثم عبر عن ذلك بلفظ الأمر الزما وتحريضا، ومن حيث للإنسان في ذلك التكسب الذي به يتعلق ثواب الإيمان وعقاب الكفر، وقرأ الحسن وعيسى الثقفي «فليؤمن» «و ليكفر» بكسر اللامين وأَعْتَدْنا مأخوذ من العتاد وهو الشيء المعد الحاضر و«السرادق» وهو الجدار المحيط كالحجرة التي تدور وتحيط الفسطاط، وقد تكون من نوع الفسطاط أديما أو ثوبا أو نحوه، ومنه قول رؤبة :[الرجز]
يا حكم بن المنذر بن الجارود سرادق والمجد عليك ممدود
ومنه قول سلامة بن جندل :[الطويل ]
هو المولج النعمان بيتا سماؤه صدور الفيول بعد بيت مسردق
وقال الزجاج «السرادق» كل ما أحاط بشيء.
قال القاضي أبو محمد : وهو عندي أخص مما قال الزجاج، واختلف في «سرادق» النار فقال ابن عباس سُرادِقُها حائط من نار وقالت فرقة سُرادِقُها دخان يحيط بالكفار، وقوله تعالى : انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات : ٣٠] وقالت فرقة الإحاطة هي في الدنيا، والسرادق البحر، وروي هذا المعنى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم من طريق يعلى بن أمية، فيجيء قوله تعالى : أَحاطَ بِهِمْ أي بالبشر ذكر الطبري الحديث عن يعلى قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «البحر هي جهنم» وتلا هذه الآية : ثم قال «و اللّه لا أدخله أبدا أو ما دمت حيا»، وروي عنه أيضا عليه السلام من طريق أبي سعيد الخدري أنه قال «سرادق النار أربعة جدور، كتف عرض كل جدار مسيرة أربعين سنة»، وقوله عز وجل يُغاثُوا أي يكون لهم مقام الغوث وهذا نحو قول الشاعر :[الوافر] تحية بينهم ضرب وجيع أي القائم مقام التحية و«المهل» قال أبو سعيد عن النبي عليه السلام هو دردي الزيت إذا انتهى حده، وقالت فرقة هو كل مائع سخن حتى انتهى حره، وقال ابن مسعود وغيره هو كل ما أذيب من ذهب أو فضة أو رصاص أو نحو هذا من الفلز حتى يميع، وروي أن عبد اللّه بن مسعود أهديت إليه سقاية من ذهب أو فضة فأمر بها فأذيبت حتى تميعت وتلونت ألوانا ثم دعا من ببابه من أهل الكوفة، فقال ما رأيت في الدنيا