المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٥٢٣
قوله عز وجل :
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥١ الى ٥٤]
ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١) وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤)
الضمير في أَشْهَدْتُهُمْ عائد على الكفار، وعلى الناس بالجملة، فتتضمن الآية الرد على طوائف من المنجمين، وأهل الطبائع، والمتحكمين من الأطباء، وسواهم من كل من يتخوض في هذه الأشياء.
قال القاضي أبو محمد : وحدثني أبي رضي اللّه عنه، قال : سمعت الفقيه أبا عبد اللّه محمد بن معاد المهدوي بالمهدية، يقول سمعت عبد الحق الصقلي يقول هذا القول ويتأول هذا التأويل في هذه الآية، وأنها رادة على هذه الطوائف، وذكر هذا بعض الأصوليين، وقيل الضمير في أَشْهَدْتُهُمْ عائد على ذرية إبليس، فهذه الآية، على هذا تتضمن تحقيرهم، والقول الأول أعظم فائدة، وأقول : إن الغرض المقصود أولا بالآية، هم إبليس وذريته، وبهذا الوجه يتجه الرد على الطوائف المذكورة وعلى الكهان والعرب المصدقين لهم والمعظمين للجن حين يقولون أعوذ بعزيز هذا الوادي، إذ الجميع من هذه الفرق متعلقون بإبليس وذريته، وهم أضلوا الجميع، فهم المراد الأول ب الْمُضِلِّينَ، وتندرج هذه الطوائف في معناهم، وقرأ الجمهور، «و ما كنت» وقرأ أبو جعفر والجحدري والحسن بخلاف «و ما كنت»، والصفة ب الْمُضِلِّينَ، تترتب في الطوائف المذكورة، وفي ذرية إبليس لعنه اللّه، و«العضد» استعارة للمعين المؤازر، وهو تشبيه بالعضد للإنسان الذي يستعين به، وقرأ الجمهور «عضدا» بفتح العين وضم الضاد، وقرأ أبو عمرو والحسن بضمهما، وقرأ الضحاك بكسر العين وفتح الضاد، وقرأ عكرمة «عضدا» بضم العين وسكون الضاد، وقرأ عيسى بن عمر «عضدا» بفتح العين والضاد، وفيه لغات غير هذا لم يقرأ بها، وقوله وَيَوْمَ يَقُولُ الآية وعيد، المعنى واذكر يوم، وقرأ طلحة ويحيى والأعمش وحمزة «نقول» بنون العظمة، وقرأ الجمهور بالياء أي «يقول» اللّه تعالى للكفار الذين أشركوا به من الدنيا سواه : نادُوا شُرَكائِيَ أي على وجه الاستغاثة بهم، وقوله شُرَكائِيَ أي على دعواكم أيها المشركون وقد بين هذا بقوله الَّذِينَ زَعَمْتُمْ وقرأ ابن كثير وأهل مكة «شركائي» بياء مفتوحة، وقرأ الجمهور :«شركائي» بهمزة.
فمنهم من حققها، ومنهم من خففها، و«الزعم» إنما هو مستعمل أبدا في غير اليقين، بل أغلبه في الكذب، ومنه هذه الآية، وأرفع موضعه أن يستعمل «زعم» بمعنى أخبر، حيث تبقى عهدة الخبر على المخبر، كما يقول سيبويه رحمه اللّه : زعم الخليل. وقوله فَدَعَوْهُمْ فلم يستجيبوا لهم ظاهره أن ذلك يقع حقيقة، ويحتمل أن يكون استعارة، كأن فكرة الكفار ونظرهم في أن تلك الجمادات، لا تغني شيئا ولا تنفع، هي بمنزلة الدعاء وترك الإجابة، والأول أبين، واختلف المتأولون في قوله مَوْبِقاً قال عبد اللّه ابن عمرو وأنس بن مالك ومجاهد : هو واد في جهنم يجري بدم وصديد، قال أنس : يحجز بين أهل النار وبين المؤمنين، فقوله على هذا بَيْنَهُمْ ظرف، وقال الحسن مَوْبِقاً معناه عداوة وبَيْنَهُمْ على هذا