المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٥٣٨
اختلف فيمن سأله عن هذه القصة، فقيل سألته طائفة من أهل الكتاب، وروى في ذلك عقبة بن عامر حديثا ذكره الطبري وقيل إنما سألته قريش، حين دلتها اليهود على سؤاله عن الروح، والرجل الطواف، وفتية ذهبوا في الدهر ليقع امتحانه بذلك، و«ذو القرنين» : هو الإسكندر الملك اليوناني المقدوني، وقد تشدد قافه، فيقال المقدوني، وذكر ابن إسحاق في كتاب الطبري أنه يوناني، وقال وهب بن منبه هو رومي، وذكر الطبري حديثا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم «أن ذا القرنين شاب من الروم» وهو حديث واهي السند، فيه عن شيخين من تجيب، واختلف الناس في وجه تسميته ب ذِي الْقَرْنَيْنِ، فأحسن الأقوال أنه كان ذا ضفرتين من شعر هما قرناه، فسمي بهما، ذكره المهدوي وغيره، والضفائر قرون الرأس، ومنه قول الشاعر :[الكامل ]
فلثمت فاها آخذا بقرونها شرب النزيف لبرد ماء الحشرج
ومنه حديث في غسل بنت النبي صلى اللّه عليه وسلم، قالت أم عطية : فضفرنا رأسها ثلاثة قرون، وكثيرا تجيء تسمية النواصي قرونا، وروي أنه كان في أول ملكه يرى في نومه أنه يتناول الشمس، ويمسك قرنين لها بيديه، فقص ذلك، ففسر أنه سيغلب على ما ذرت عليه، وسمي «ذا القرنين»، وقالت فرقة سمي «ذا القرنين» لأنه بلغ المغرب والمشرق، فكأنه حاز قرني الدنيا، وقالت فرقة إنه بلغ مطلع الشمس كشف بالرؤية قرنيها، فسمي بذلك، أو قرني الشيطان بها، وقال وهب بن منبه : سمي بذلك لأن جنبتي رأسه كانتا من نحاس، وقال وهب بن منبه أيضا كان له قرنان تحت عمامته.
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله بعيد، وقال علي بن أبي طالب : إنما سمي «ذا القرنين» لأنه ضرب على قرن رأسه فمات. ثم حيي ثم ضرب على قرن رأسه الآخر فمات، فسمي بذلك لأنه جرح على قرني رأسه جرحين عظيمين في يومين عظيمين من أيام حربه فسمي بذلك، وهذا قريب، والتمكين له في الأرض أنه ملك الدنيا، ودانت له الملوك كلها، فروي أن جميع من ملك الدنيا كلها أربعة : مؤمنان وكافران، والمؤمنان : سليمان بن داود، والإسكندر، والكافران نمرود وبخت نصر، وقوله وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً معناه علما في كل أمر، وأقيسة يتوصل بها إلى معرفة الأشياء، وقوله كُلِّ شَيْءٍ عموم، معناه الخصوص في كل ما يمكن أن يعلمه ويحتاج إليه، وثم لا محالة أشياء لم يؤت منها سببا يعلمها به، واختلف في ذِي الْقَرْنَيْنِ فقيل هو نبي، وهذا ضعيف. وقيل هو ملك بفتح اللام، وروي عن علي بن أبي طالب أنه سمع رجلا يدعو آخر يا ذا القرنين، فقال أما كفاكم أن تسميتم بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة. وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه سئل عنه فقال «ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب». وقيل هو عبد ملك بكسر اللام صالح، نصح للّه فأيده، قاله علي بن أبي طالب، وقال فيكم اليوم مثله، وعنى بذلك نفسه، واللّه أعلم. وقوله فَأَتْبَعَ سَبَباً الآية، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «فاتّبع»