المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٥٤٥
قوله أَعْيُنُهُمْ كناية عن البصائر، لأن عين الجارحة لا نسبة بينها وبين الذكر، والمعنى : الذين فكرهم بينها وبين ذِكْرِي والنظر في شرعي حجاب، وعليها غِطاءٍ ثم قال إنهم كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً يريد لإعراضهم ونفارهم عن دعوة الحق، وقرأ جمهور الناس :«أ فحسب الذين» بكسر السين بمعنى : أظنوا، وقرأ علي بن أبي طالب والحسن وابن يعمر ومجاهد وابن كثير بخلاف عنه :«أ فحسب» بسكون السين وضم الباء بمعنى أكافيهم ومنتهى غرضهم، وفي مصحف ابن مسعود «أ فظن الذين كفروا»، وهذه حجة لقراءة الجمهور، وقال جمهور المفسرين يريد كل من عبد من دون اللّه كالملائكة وعزير وعيسى، فيدخل في الَّذِينَ كَفَرُوا بعض العرب واليهود والنصارى، والمعنى أن ذلك ليس كظنهم، بل ليس من ولاية هؤلاء المذكورين شيء، ولا يجدون عندهم منتفعا وأَعْتَدْنا معناه : يسرنا، و«النزل» موضع النزول، و«النزل» أيضا ما يقدم للضيف أو القادم من الطعام عند نزوله، ويحتمل أن يراد بالآية هذا المعنى أن المعد لهم بدل النزول جهنم، كما قال الشاعر :[الوافر] تحية بينهم ضرب وجيع ثم قال تعالى : هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الآية المعنى : قل لهؤلاء الكفرة على جهة التوبيخ :
هل نخبركم بالذين خسروا عملهم وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم مع ذلك يظنون أنهم يحسنون فيما يصنعونه فإذا طلبوا ذلك، فقل لهم : أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ، وقرأ ابن وثاب «قل سننبئكم»، وهذه صفة المخاطبين من كفار العرب المكذبين، بالبعث، و«حبطت» معناه : بطلت، وأَعْمالُهُمْ : يريد ما كان لهم من عمل خير، وقوله فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً يحتمل أن يريد أنه لا حسنة لهم توزن في موازين القيامة، ومن لا حسنة له فهو في النار لا محالة، ويحتمل أن يريد المجاز والاستعارة، كأنه قال فلا قدر لهم عندنا يومئذ، فهذا معنى الآية عندي، وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال «يؤتى بالأكول الشروب الطويل فلا يزن بعوضة» ثم قرأ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً وقالت فرقة : إن الاستفهام تم في قوله أَعْمالًا ثم قال : هم الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً فقال سعد بن أبي وقاص هم عباد اليهود والنصارى، وأهل الصوامع والديارات، وقال علي بن أبي طالب هم الخوارج، وهذا إن صح عنه، فهو على جهة مثال فيمن ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن وروي أن ابن الكواء سأله عن بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا فقال له أنت وأصحابك، ويضعف هذا كله قوله تعالى بعد ذلك أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ وليس من هذه الطوائف من يكفر بلقاء اللّه، وإنما هذه صفة مشركي عبدة الأوثان، فاتجه بهذا ما قلناه أولا وعلي وسعد رضي اللّه عنهما ذكرا أقواما أخذوا بحظهم من صدر الآية، وقوله أَعْمالًا نصب على التمييز، وقرأ الجمهور «فحبطت» بكسر الباء، وقرأ ابن عباس وأبو السمال «فحبطت» بفتح الباء، وقرأ كعب بن عجرة والحسن وأبو عمرو ونافع والناس «فلا نقيم لهم» بنون العظمة،
وقرأ مجاهد «فلا يقيم»، بياء الغائب، يريد