المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٧
الموسم، فلما خطب أبو بكر بعرفة : قال : قم يا علي، فأدّ رسالة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقام علي ففعل، قال ثم وقع في نفسي أن جميع الناس لم يشاهدوا خطبة أبي بكر، فجعلت أتتبع الفساطيط يوم النحر، وقرأ جمهور الناس «أن اللّه بري ء» بفتح الألف على تقدير بأن اللّه، وقرأ الحسن والأعرج :«إن اللّه» بكسر الألف على القطع، إذ الأذان في معنى القول، وقرأ جمهور الناس «و رسوله» بالرفع على الابتداء وحذف الخبر «و رسوله بريء منهم»، هذا هو عند شيخنا الفقيه الأستاذ أبي الحسن بن الباذش رحمه اللّه معنى العطف على الموضع، أي تؤنس بالجملة الأولى التي هي من ابتداء وخبر فعطفت عليها هذه الجملة، وقيل هو معطوف على موضع المكتوبة قبل دخول «أن» التي لا تغير معنى الابتداء بل تؤكده وإذ قد قرئت بالكسر لأنه لا يعطف على موضع «أن» بالفتح، وانظره فإنه مختلف في جوازه، لأن حكم «أن» رفع حكم الابتداء إلا في هذا الموضع وما أشبهه، وهذا قول أبي العباس وأبي علي رحمهما اللّه، ومذهب الأستاذ على مقتضى كلام سيبويه أن لا موضع لما دخلت عليه «أن» إذ هو معرب قد ظهر فيه عمل العامل ولأنه لا فرق بين «أن» وبين ليت ولعل، والإجماع أن لا موضع لما دخلت عليه هذه وقيل عطف على الضمير المرفوع الذي في «بري ء»، وحسن ذلك أن المجرور قام مقام التوكيد، كما قامت «لا» في قوله تعالى : ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا [الأنعام : ١٤٨] وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر «رسوله» بالنصب عطفا على لفظ المكتوبة، وبهذه الآية امتحن معاوية أبا الأسود حتى وضع النحو إذ جعل قارئا يقرأ بخفض «و رسوله»، والمعنى في هذه الآية بريء من عهودهم وأديانهم براءة عامة تقتضي المحارجة وإعمال السيف، وقوله فَإِنْ تُبْتُمْ أي عن الكفر ووعدهم مع شرط التوبة وتوعدهم مع شرط التولي، وجاز أن تدخل البشارة في المكروه لما جاء مصرحا به مرفوع الاشكال.
قوله عز وجل :
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤ الى ٥]
إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
هذا هو الاستثناء الذي تقدم ذكره في المشركين الذين بقي من عهدهم تسعة أشهر وكانوا قد وفوا بالعهد على ما يجب، وقال قتادة : هم قريش الذين عوهدوا زمن الحديبية.
قال القاضي أبو محمد : وهذا مردود بإسلام قريش في الفتح قبل الأذان بهذا كله، وقال ابن عباس :
قوله إِلى مُدَّتِهِمْ إلى الأربعة الأشهر التي في الآية، وقرأ الجمهور «ينقصوكم» بالصاد غير منقوطة، وقرأ عطاء بن يسار وعكرمة وابن السميفع «ينقضوكم» بالضاد من النقض وهي متمكنة مع العهد ولكنها قلقة في تعديها إلى الضمير، ويحسن ذلك أن النقض نقض وفاء وحق للمعاهد، وكذلك تعدى «أتموا» ب «إلى» لما