المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ١٠٢
والْفَزَعُ الْأَكْبَرُ عام في كل هول يكون في يوم القيامة فكأن يوم القيامة بجملته هو الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وإن خصص بشيء من ذلك فيجب أن يقصد لأعظم هوله، قالت فرقة في ذلك هو ذبح الموت، وقالت فرقة هو وقوع طبق جهنم على جهنم، وقالت فرقة هو الأمر بأهل النار إلى النار، وقالت فرقة هو النفخة الآخرة.
قال القاضي أبو محمد : وهذا وما قبله من الأوقات أشبه أن يكون فيها الْفَزَعُ لأنها وقت لترجم الظنون وتعرض الحوادث، فأما وقت ذبح الموت ووقوع الطبق فوقت قد حصل فيه أهل الجنة في الجنة فذلك فزع بين إلا أنه لا يصيب أحدا من أهل الجنة فضلا عن الأنبياء، اللهم إلا أن يريد لا يحزنهم الشيء الذي هو عند أهل النار فزع أكبر، فأما إن كان فزعا للجميع فلا بد مما قلنا من أنه قبل دخول الجنة وقد ذهب بعض الناس إلى أن قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى يعم كل مؤمن.
وروي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال عثمان منهم ع ولا مرية أنها مع نزولها في خصوص مقصود تتناول كل من سعد في الآخرة وقوله تعالى : وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ يريد بالسلام عليهم والتبشير لهم، أي هذا يومكم الذي وعدتم فيه الثواب والنعيم.
قوله عز وجل :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٥]
يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤) وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)
قرأت فرقة «نطوي» بنون العظمة، وقرأت فرقة «يطوي السماء» بياء مفتوحة على معنى يطوي اللّه تعالى، وقرأ فرقة «تطوى السماء» بتاء مضمومة ورفع «السماء» على ما لم يسم فاعله، واختلف الناس في السِّجِلِّ فقالت فرقة هو ملك يطوي الصحف، وقالت فرقة السِّجِلِّ رجل كان يكتب للنبي صلى اللّه عليه وسلم، ع وهذا كله وما شاكله ضعيف، وقالت فرقة السِّجِلِّ الصحيفة التي يكتب فيها، والمعنى كَطَيِّ السِّجِلِّ أي كما يطوى السجل من أجل الكتاب الذي فيه، فالمصدر مضاف إلى المفعول ويحتمل أن يكون المصدر مضافا إلى الفاعل، أي كما يطوي السجل الكتاب الذي فيه، فكأنه قال يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كالهيئة التي فيها طي السجل للكتاب، ففي التشبيه تجوز، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «السّجل» بشد السين وسكون الجيم وتخفيف اللام وفتح أبو السمال السين فقرأ «السّجل» وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير «السّجل» بضم السين وشدها وضم الجيم، وقرأ الجمهور «للكتاب»، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «للكتب» وقوله تعالى : كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ يحتمل معنيين : أحدهما أن يكون خبرا عن البعث أي كما اخترعنا الخلق أولا على غير مثال كذلك ننشئهم تارة أخرى فنبعثهم من القبور، والثاني أن يكون خبرا عن أن كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا، ويؤيد هذا التأويل أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال :«يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده» وقوله تعالى : كَما بَدَأْنا الكاف متعلقة بقوله نُعِيدُهُ، وقوله إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ تأكيد للأمر بمعنى