المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ١٤٤
قوله عز وجل :
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٠ الى ٤٤]
قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤)
المعنى قالَ اللّه لهذا النبي الداعي عَمَّا قَلِيلٍ يندم قومك على كفرهم حين لا ينفعهم الندم، ومن ذكر الصَّيْحَةُ ذهب الطبري إلى أنهم قوم ثمود، وقوله بِالْحَقِّ معناه بما استحقوا من أفعالهم وبما حق منا في عقوبتهم، و«الغثاء» ما يحمله السيل من زبده ومعتاده الذي لا ينتفع به فيشبه كل هامد وتالف بذلك و«بعدا» منصوب بفعل مضمر متروك إظهاره ثم أخبر تعالى عن أنه «أنشأ» بعد هؤلاء أمما كثيرة كل أمة بأجل في كتاب لا تتعداه في وجودها وعند موتها وتَتْرا مصدر بمنزلة فعلى مثل الدعوى والعدوى ونحوها، وليس تترى بفعل وإنما هو مصدر من تواتر الشيء، وقرأ الجمهور «تترا» كما تقدم ووقفهم بالألف، وحمزة والكسائي يميلانها، قال أبو حاتم هي ألف تأنيث، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «تترا» بالتنوين ووقفهما بالألف وهي ألف إلحاق قال ابن سيده يقال جاءو «تترا وتترا» أي متواترين التاء مبدلة من الواو على غير قياس لأن قياس إبدال الواو تاء إنما هو في افتعل وذلك نحو اتزر واتجه، وقوله أتبعنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً أي في الإهلاك، وقوله وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ يريد أحاديث مثل، وقلّما يستعمل الجعل حديثا إلا في الشر.
قوله عز وجل :
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٥ الى ٤٨]
ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨)
ثُمَّ هنا على بابها لترتيب الأمور واقتضاء المهلة، و«الآيات» التي جاء بها مُوسى وهارُونَ هي اليد والعصا اللتان اقترن بهما التحدي وهما «السلطان المبين»، ويدخل في عموم اللفظ سائر آياتهما كالبحر والمرسلات الست، وأما غير ذلك مما جرى بعد الخروج من البحر فليست تلك لفرعون بل هي خاصة ببني إسرائيل. و«الملأ» هنا الجمع يعم الأشراف وغيرهم، و«استكبروا»، معناه عن الإيمان بموسى وأخيه لأنهم أنفوا من ذلك، وعالِينَ، معناه قاصدين للعلو بالظلم والكبرياء، وقوله عابِدُونَ معناه خامدون متذللون، ومن هنا قيل لعرب الحيرة العباد لأنهم دخلوا من بين العرب في طاعة كسرى، هذا أحد القولين في تسميتهم والطريق المعبد المذلل وعلو هؤلاء هو الذي ذكر اللّه تعالى في قوله تِلْكَ