المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ١٥٩
التراب قيل لهم لما قاموا كَمْ لَبِثْتُمْ؟ وقوله آخرا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ يقتضي ما قلناه، وعَدَدَ نصب ب كَمْ على التمييز، وقرأ الأعمش «عددا سنين» بتنوين «عددا»، وقال مجاهد أرادوا ب الْعادِّينَ الملائكة، وقال قتادة أرادوا أهل الحساب.
قال الفقيه الإمام القاضي : وظاهر اللفظ أنهم أرادوا سل من يتصف بهذه الصفة، ولم يعينوا ملائكة ولا غيرها لأن النائم والميت لا يعد الحركة فيقدر له الزمن، وقوله إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مقصده على القول بأن اللبث في الدنيا، أي قليل القدر في جنب ما تعذبون، وعلى القول بأن اللبث في القبور معناه أنه قليل إذ كل آت قريب ولكنكم كذبتم به إذ كنتم لا تعلمون إذ لم ترغبوا في العلم والهدى، وعَبَثاً معناه باطلا لغير غاية مرادة، وقرأ الجمهور «ترجعون» بضم التاء وفتح الجيم، وقرأ حمزة والكسائي «ترجعون» بفتح التاء وكسر الجيم والمعنى فيهما بين.
قوله عز وجل :
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١١٦ الى ١١٨]
فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)
المعنى فَتَعالَى اللَّهُ عن مقالتهم في جهته من الصاحبة والولد ومن حسابهم أنهم لا يرجعون، أي تنزه اللّه عن تلك الأمور وتعالى عنها، وقرأ ابن محيصن «الكريم» برفع صفة للرب، ثم توعد جلت قدرته عبدة الأصنام بقوله : وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ الآية والوعيد قوله فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ والبرهان الحجة وظاهر الكلام أن مَنْ شرط وجوابه في قوله : فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وقوله : لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ في موضع الصفة وذهب قوم إلى أن الجواب في قوله لا بُرْهانَ وهذا هروب من دليل الخطاب من أن يكون ثم داع له البرهان.
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا تحفظ مما لا يلزم ويلحقه حذف الفاء من جواب الشرط وهو غير فصيح قاله سيبويه، وفي حرف عبد اللّه «عند ربك» وفي حرف أبي عند اللّه وروي أن فيه «على اللّه»، ثم حتم وأكد أن الكافر لا يبلغ أمنيته ولا ينجح سعيه، وقرأ الجمهور «إنه» بكسر الألف، وقرأ الحسن وقتادة «أنه» بفتحها، والمعنى أنه إذ لا يذكر ولا يُفْلِحُ يؤخر حسابه وعذابه حتى يلقى ربه. وقرأ الحسن «يفلح» بفتح الياء واللام، ثم أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالدعاء في المغفرة والرحمة والذكر له تعالى بأنه خَيْرُ الرَّاحِمِينَ لأن كل راحم فمتصرف على إرادة اللّه وتوقيفه وتقديره لمقدار هذه الرحمة، ورحمته تعالى لا مشاركة لأحد فيها، وأيضا فرحمة كل راحم في أشياء وبأشياء حقيرات بالإضافة إلى المعاني التي تقع فيها رحمة اللّه تعالى من الاستنقاذ من النار، وهيئة نعيم الجنة وعلى ما في الحديث فرحمة كل راحم بمجموعها كلها جزء من مائة رحمة اللّه جلت قدرته : إذ بث في العالم واحدة وأمسك عنده تسعة وتسعين، وقرأ ابن محيصن «ربّ اغفر» بضم الباء.


الصفحة التالية
Icon