المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ١٦٤
والثوري والشافعي ومنعه ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة وقالوا لا يزالان زانيين ما اجتمعا.
قوله عز وجل :
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٤ الى ٥]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
هذه الآية نزلت في القاذفين، فقال سعيد بن جبير كان سببها ما قيل في عائشة أم المؤمنين رضي اللّه عنها، وقيل نزلت بسبب القذفة عاما لا في تلك النازلة، وذكر اللّه تعالى في الآية قذف النساء من حيث هواهم، ورميهن بالفاحشة أبشع وأنكى للنفوس، وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى، وإجماع الأمة على ذلك وهذا نحو نصه تعالى على لحم الخنزير ودخول شحمه وغضاريفه ونحو ذلك بالمعنى وبالإجماع، وحكى الزهراوي أن في المعنى الأنفس الْمُحْصَناتِ فهي تعم بلفظها الرجال والنساء ويدل على ذلك قوله تعالى : وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ [النساء : ٢٤]، والجمهور على فتح الصاد من «المحصنات»، وكسرها يحيى بن وثاب.
والْمُحْصَناتِ العفائف في هذا الموضع لأن هذا هو الذي يجب به جلد القاذف، والعفة أعلى معاني الإحصان إذ في طيه الإسلام، وفي هذه النازلة الحرية ومنه قول حسان : حصان رزان، البيت، ومنه قوله تعالى : وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها [الأنبياء : ٩١]، وذكر اللّه من صفات النساء المنافية للرمي بالزنا ولتخرج من ذلك من ثبت عليها الزنى وغير ذلك ممن لم تبلغ الوطء من النساء حسب الخلاف في ذلك وعبر عن القذف ب «الرمي»، من حيث معتاد الرمي أنه مؤذ كالرمي بالحجر والسهم فلما كان قول القاذف مؤذيا جعل رميا، وهذا كما قيل وجرح اللسان كجرح اليد، والقذف والرمي معنى واحد، وشدد اللّه تعالى على القاذف بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ رحمة بعباده وسترا لهم، وقرأ جمهور الناس «بأربعة شهداء» على إضافة الأربعة إلى الشهداء، وقرأ عبد اللّه بن مسلم بن يسار وأبو زرعة وابن جريج «بأربعة» بالتنوين و«شهداء» على هذا، إما بدل وإما صفة للأربعة وإما حال وإما تمييز وفي هذين نظر إذ الحال من نكرة والتمييز مجموع، وسيبويه يرى أن تنوين العدد وترك إضافته إنما يجوز في الشعر، وقد حسن أبو الفتح هذه القراءة ورجحها على قراءة الجمهور، وحكم شهادة الأربعة أن تكون على معاينة مبالغة كالمرود في المكحلة في موطن واحد فإن اضطرب منهم واحد جلد الثلاثة والقاذف كما فعل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في أمر المغيرة بن شعبة وذلك أنه شهد عليه بالزنى أبو بكرة نفيع بن الحارث وأخوه نافع، وقال الزهراوي عبد اللّه بن الحارث وزياد أخوهما لأم، وهو مستلحق معاوية وشبل بن معبد البجلي، فلما جاؤوا لأداء الشهادة توقف زياد ولم يؤدها كاملة، فجلد عمر الثلاثة المذكورين، و«الجلد» الضرب والمجالدة المضاربة في الجلود، أو بالجلود، ثم استعير الجلد لغير ذلك من سيف وغيره ومنه قول قيس بن الخطيم :[الطويل ]
أجالدهم يوم الحديقة حاسرا كأن يدي بالسيف مخراق لاعب
ونصب ثَمانِينَ على المصدر وجَلْدَةً على التمييز، ثم أمر تعالى أن لا تقبل للقذفة


الصفحة التالية
Icon