المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ١٧٣
الإفك وقال فيه مسطح ما قال حلف أبو بكر ألا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة أبدا، فجاءه مسطح فاعتذر وقال إنما كنت أغشى مجلس حسان فأسمع ولا أقول، فقال له أبو بكر لقد ضحكت وشاركت فيما قيل ومر على يمينه، فنزلت الآية، وقال الضحاك وابن عباس إن جماعة من المؤمنين قطعوا منافعهم عن كل من قال في الإفك وقالوا واللّه لا نصل من تكلم في شأن عائشة فنزلت الآية في جميعهم والأول أصح، غير أن الآية تتناول الأمة إلى يوم القيامة بأن لا يغتاظ «ذو فضل وسعة» فيحلف أن لا ينفع من هذه صفته غابر الدهر، ورأى الفقهاء من حلف ألا يفعل سنة من السنن أو مندوبا وأبد ذلك أنها جرحة في شهادته ذكره الباجي في المنتقى، ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم «أيكم المتألي على اللّه لا يفعل المعروف»، ويَأْتَلِ معناه يحلف وزنها يفتعل من الألية وهي اليمين، وقالت فرقة معناه يقصر من قولك ألوت في كذا إذا قصرت فيه، ومنه قوله تعالى : لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وزيد بن أسلم «و لا يتأل» وهذا وزنه يتفعل من الألية بلا خلاف وهي في المصحف ياء تاء لام، فلذلك ساغ هذا الخلاف لأبي جعفر وزيد فروياه، وذكر الطبري أن خط المصحف مع قراءة الجمهور فظاهر قوله إن ثم ألفا قبل التاء، و«الفضل والسعة» هنا هي المال، وقوله تعالى : أَلا تُحِبُّونَ الآية تمثيل وحجة أي كما تحبون عفو اللّه لكم عن ذنوبكم فذلك أغفر لمن دونكم وينظر إلى هذا المعنى قول النبي عليه السلام «من لا يرحم لا يرحم» فروي أن أبا بكر رضي اللّه عنه لما نزلت هذه الآية قال إني لأحب أن يغفر اللّه لي ورجع إلى مسطح النفقة والإحسان الذي كان يجري عليه، قالت عائشة وكفر عن يمينه، وقرأ ابن مسعود وسفيان بن حسين «و لتعفوا ولتصفحوا» بالتاء من فوق فيهما، ورويت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقال بعض الناس هذه أرجى آية في كتاب اللّه عز وجل من حيث
لطف اللّه فيها بالقذفة العصاة بهذا اللفظ، قال القاضي أبو محمد وإنما تعطي الآية تفضلا من اللّه في الدنيا وإنما الرجاء في الآخرة، أما أن الرجاء في هذه الآية بقياس أي إذا أمر «أولي السعة» بالعفو فطرد هذا التفضل بسعة رحمته لا رب سواه، وإنما آيات الرجاء قوله تعالى : يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ [الزمر : ٥٣]. وقوله تعالى : اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ [الشورى : ١٩]. وسمعت أبي رضي اللّه عنه يقول إن أرجى آية في كتاب اللّه عندي قوله تعالى : وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً [الأحزاب : ٤٧]. وقد قال تعالى في آية أخرى : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [الشورى : ٢٢]. فشرح الفضل الكبير في هذه الآية وبشر بها المؤمنين في تلك، وقال بعضهم أرجى آية في كتاب اللّه تعالى قوله تعالى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى : ٥]. وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار.
قوله عز وجل :
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٢٣ الى ٢٥]
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥)