المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ١٧٥
النساء والرجال، وإنما الآية على نحو التي تقدمت وهي قوله تعالى : الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً [النور : ٣] الآية فمعنى هذا، التفريق بين حكم عبد اللّه بن أبي وأشباهه وبين حكم النبي عليه السلام وفضلاء صحابته وأمته، أي النبي عليه السلام طيب فلم يجعل اللّه له إلا كل طيبة وأولئك خبيثون فهم أهل النساء الخبائث.
قال الفقيه الإمام القاضي : وبهذه الآية قيل لأزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم الطَّيِّباتُ المبرءات، وقوله أُولئِكَ إشارة إلى «الطيبين» المذكورين.
قوله عز وجل :
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨)
سبب هذه الآية فيما ذكر الطبري بسند عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت يا رسول اللّه إني أكون في منزلي على الحالة التي لا أحب أن يراني أحد عليها لا والد ولا ولد وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فنزلت هذه الآية، ثم هي عامة في الأمة غابر الدهر من حيث هذه النازلة تختص بكل أحد في نفسه وبيت الإنسان، هو البيت الذي لا أحد معه فيه أو البيت الذي فيه زوجه أو أمته، وما عدا فهو غير بيته، قال ابن مسعود وغيره ينبغي للإنسان أن لا يدخل البيت الذي فيه أمه إلا بعد الاستيناس، وروي في ذلك حديث عن النبي عليه السلام أن رجلا قال يا رسول اللّه استأذن على أمي قال نعم قال إنما هي أمي ولا خادم لها غيري، قال «أ تحب أن تراها عريانة» قال لا، قال «فاستأذن عليها وكذلك كل ذات محرم منه لأنه لا ينبغي أن يراهن عاريات»، وقالت زينب امرأة ابن مسعود كان ابن مسعود إذا جاء منزله تنحنح مخافة أن يهجم على ما يكره، وتَسْتَأْنِسُوا معناه تستعملوا أي تستعلموا من في البيت وتستبصروا، تقول آنست إذا علمت عن حس وإذا أبصرت ومنه قوله تعالى : آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [النساء : ٦]، وقوله آنَسْتُ ناراً [القصص : ٢٩] ومنه قول حسان بن ثابت «أنظر خليلي بباب جلق هل تؤنس دون البلقاء من أحد» وقول الحارث أنست نباة البيت، ووزن آنس أفعل واستأنس وزنه استفعل فكأن المعنى في «تستأنسون» تطلبون ما يؤنسكم ويؤنس أهل البيت منكم، وإذا طلب الإنسان أن يعلم أمر البيت الذي يريد دخوله فذلك يكون بالاستئذان على من فيه أو بأن يتنحنح ويستشعر بنفسه بأي وجه أمكنه ويتأنى قدر ما يتحفظ ويدخل إثر ذلك، وذهب الطبري في تَسْتَأْنِسُوا إلى أنه بمعنى حتى تؤنسوا أهل البيت من أنفسكم بالتنحنح والاستئذان ونحوه وتؤنسوا أنفسكم بأن تعلموا أن قد شهر بكم.
قال الفقيه الإمام القاضي : وتصريف الفعل يأبى أن يكون من آنس، وذكر الطبري عن ابن عباس أنه كان يقرأ «حتى تستأذنوا وتسلموا» وهي قراءة أبي بن كعب وحكاها أبو حاتم «حتى تسلموا وتستأذنوا» قال ابن عباس تَسْتَأْنِسُوا خطأ أو وهم من الكتاب.


الصفحة التالية
Icon