المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ١٨٠
أسند الطبري عن المعتمر عن أبيه قال : زعم حضرمي أن امرأة اتخذت برتين من فضة واتخذت جزعا فجعلت في ساقيها فمرت على القوم فضربت برجلها الأرض فوقع الخلخال على الجزع فصوت فنزلت هذه الآية، وسماع هذه الزينة أشد تحريكا للشهوة من إبدائها، ذكره الزجاج، قال مكي رحمه اللّه ليس في كتاب اللّه آية أكثر ضمائر من هذه جمعت خمسة وعشرين ضميرا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع، وقرأ عبد اللّه بن مسعود «ليعلم ما سر من زينتهن»، ثم أمر عز وجل بالتوبة مطلقة وقد قيد توبة الكفار بالإخلاص وبالانتهاء في آية أخرى، وتوبة أهل الذمة بالتبيين، يريد لأمر محمد عليه السلام وأمر بهذه التوبة مطلقة عامة من كل شيء صغير وكبير، وقرأ الجمهور «أيّه» بفتح الهاء، وقرأ ابن عامر «أيّه» بضم الهاء ووجهه أن تجعل الهاء كأنها من نفس الكلمة فيكون إعراب المنادى فيها، وضعف أبو علي ذلك جدا، وبعضهم يقف «أيه» وبعضهم يقف «أيها» بالألف، وقوى أبو علي الوقف بالألف لأن علة حذفها في الوصل إنما هي سكونها وسكون اللام فإذا كان الوقف ذهبت العلة فرجعت الألف كما ترجع الياء إذا وقفت على مُحِلِّي [المائدة : ١] من قوله غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ [المائدة : ١]، والاختلاف الذي ذكرناه في أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ كذلك هو في أَيُّهَا السَّاحِرُ [الزخرف : ٤٩] وأَيُّهَ الثَّقَلانِ [الرحمن : ٣١] قوله عز وجل :
[سورة النور (٢٤) : آية ٣٢]
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢)
وقوله تعالى : وَأَنْكِحُوا الْأَيامى هذه المخاطبة لكل من تصور أن ينكح في نازلة ما، فهم المأمورون بتزويج من لا زوج له وظاهر الآية أن المرأة لا تتزوج إلا بولي، والأيم يقال للرجل وللمرأة ومنه قول الشاعر :
«للّه در بني على أيم منهم وناكح»، ولعموم هذا اللفظ قالت فرقة إن هذه الآية ناسخة لحكم قوله تعالى : وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور : ٣] وقوله : وَالصَّالِحِينَ يريد للنكاح، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «من عبيدكم» والجمهور على «عبادكم» والمعنى واحد إلا أن قرينة الترفيع بالنكاح يؤيد قراءة الجمهور، وهذا الأمر بالإنكاح يختلف بحسب شخص شخص، ففي نازلة يتصور وجوبه، وفي نازلة الندب وغير ذلك وهذا بحسب ما قيل في النكاح، ثم وعد اللّه تعالى بإغناء الفقراء المتزوجين طلب رضى اللّه عنهم واعتصاما من معاصيه، وقال ابن مسعود التمسوا الغنى في النكاح، وقال عمر رضي اللّه عنه عجبي ممن لا يطلب الغنى بالنكاح وقد قال تعالى : إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، قال النقاش هذه الآية حجة على من قال إن القاضي يفرق بين الزوجين إذا كان الزوج فقيرا لا يقدر على النفقة لأن اللّه قال يُغْنِهِمُ ولم يقل يفرق بينهما، وهذا انتزاع ضعيف، وليست هذه الآية حكما فيمن عجز عن النفقة وإنما هي وعد بالإغناء كما وعد به مع التفرق في قوله : وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء : ١٣] ونفحات رحمة اللّه مأمولة في كل حال موعود بها، وقوله : واسِعٌ عَلِيمٌ صفتان نحو المعنى الذي فيه القول أي واسِعٌ الفضل عَلِيمٌ بمستحق التوسعة والإغناء.


الصفحة التالية
Icon