المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ١٨٩
كل قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه فهو يثابر عليها، قال مجاهد «الصلاة» للبشر و«التسبيح» لما عداهم، وقالت فرقة المعنى كل قد علم صلاة اللّه وتسبيح اللّه اللذين أمر بهما وهدى إليهما فهذه إضافة خلق إلى خالق، وقال الزجاج وغيره المعنى كُلٌّ قَدْ عَلِمَ اللّه صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ فالضميران للكل، وقرأت فرقة «علم صلاته وتسبيحه» بالرفع وبناء الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله ذكرها أبو حاتم، وقرأ الجمهور «يفعلون» بالياء على معنى المبالغة في وصف قدرة اللّه وعلمه بخلقه، وقرأ عيسى والحسن «تفعلون» بالتاء من فوق ففيه المعنى المذكور وزيادة الوعيد والتخويف من اللّه تعالى وإعلام بعد بكون الملك على الإطلاق له وتذكيره بأمر المصير إليه والحشر يقوي أمر التخويف من اللّه تعالى وفي مصحف أبي بن كعب وابن مسعود «و اللّه بصير بما تفعلون».
قوله عز وجل :
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤)
«الرؤية في هذه الآية رؤية عين والتقدير أن أمر اللّه وقدرته، ويُزْجِي معناه يسوق، والإزجاء إنما يستعمل في سوق كل ثقيل ومدافعته كالسحاب والإبل المزاحف كما قال الفرزدق «على مزاحيف تزجيها مخارير»، والبضاعة المزجاة التي تحتاج من الشفاعة والتحسين إلى ما هو كسوق الثقيل، ومنه قول حبيب في الشيب، «و نحن نزجيه»، وسيبويه أبدا يقول في كلامه فأنت تزجيه إلى كذا أي تسوقه ثقيلا متباطئا، وقوله يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ أي بين مفترق السحاب نفسه لأن مفهوم السحاب يقتضي أن بينه فروجا، وهذا كما تقول جلست بين الدور ولو أضيفت «بين» إلى مفرد لم يصح إلا أن تريد آخر، لا تقول جلست بين الدار إلا أن تريد وبين كذا، وورش عن نافع لا يهمز «يولف» وقالون عن نافع والباقون يهمزون «يؤلف» وهو الأصل، و«الركام» الذي يركب بعضه بعضا ويتكاثف، والعرب تقول إن اللّه تعالى إذا جعل السحاب ركاما بالريح عصر بعضه بعضا فخرج الْوَدْقَ منه ومن ذلك قوله تعالى : وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً [النبأ : ١٤] ومن ذلك قول حسان بن ثابت :[الكامل ]
كلتاهما حلب العصير فعاطني بزجاجة أرخاهما للمفصل
ويروى للمفصل بكسر الميم وبفتح الصاد، فالمفصل واحد المفاصيل والمفصل اللسان ويروى بالقاف، أراد حسان الخمر والماء الذي مزجت به أي هذه من عصر العنب وهذه من عصر السحاب، فسر هذا التفسير قاضي البصرة عبد اللّه بن الحسن العنبري للقوم الذين حلف صاحبهم بالطلاق أن يسأل القاضي عن تفسير بيت حسان، والْوَدْقَ المطر ومنه قول الشاعر :[المتقارب ]
فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها